أَيْضًا مُتَوَقِّفٌ؛ لِأَنَّ حِلْفَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَ قُرَيْشٍ وَالْأَنْصَارِ كَانَ بَعْدَ الْهِجْرَةِ، وَلَا نَدْرِي أَقَبْلَ الْحُدَيْبِيَةَ أَمْ بَعْدَهَا.
فَأَمَّا نُزُولُ {لإِيلافِ قُرَيْشٍ} [قريش: ١] وَالْآيَةِ الْأُخْرَى فَمَا نَدْرِي مَتَى نَزَلَتَا؟ لِأَنَّ جُبَيْرَ بْنَ مُطْعِمٍ - رَاوِي «كُلُّ حِلْفٍ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَلَمْ يَزِدْهُ الْإِسْلَامُ إلَّا شِدَّةً» لَمْ يُسْلِمْ إلَّا يَوْمَ الْفَتْحِ، فَلَا يُحْمَلُ هَذَا الْخَبَرُ إلَّا عَلَى يَوْمِ الْفَتْحِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِهَذِهِ الْأَخْبَارِ جُمْلَةً.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَوَجَبَ عَلَيْنَا أَنْ نَطْلُبَ حُكْمَ هَذِهِ الْمَسَائِلِ مِنْ غَيْرِ هَذِهِ الْأَخْبَارِ، فَوَجَدْنَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ قَضَى بِالدِّيَةِ عَلَى الْعَصَبَةِ - هَكَذَا جَاءَ النَّصُّ - فِي خَبَرِ دِيَةِ الْقَاتِلَةِ، فَوَجَبَ أَنْ تَكُونَ الدِّيَةُ عَلَى الْعَصَبَةِ، وَمَنْ هُمْ الْعَصَبَةُ؟ فَوَجَدْنَا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ حَكَمَ بِمِيرَاثِ الْقَاتِلَةِ لِبَنِيهَا وَزَوْجِهَا وَحَكَمَ بِالدِّيَةِ عَلَى عَصَبَتِهَا - فَبَطَلَ أَنْ تَكُونَ الْوَرَثَةُ هُمْ الْعَصَبَةُ؟ بِخِلَافِ مَا قَالَ الشَّعْبِيُّ، قَالَ: الْعَقْلُ عَلَى مَنْ لَهُ الْمِيرَاثُ، فَإِذْ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَلَعَلَّ مُحْتَجًّا يَحْتَجُّ بِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا فَمَا أَبْقَتْ الْفَرَائِضُ فَلِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ» .
فَيَقُولُ: إنَّ هَذَا حُكْمُ الْمَوْلَى مِنْ فَوْقُ؟ فَيُقَالُ لَهُ: نَعَمْ، هَذَا صَحِيحٌ، وَهَذَا حُكْمُ الْمَوَارِيثِ لَا حُكْمُ الْعَاقِلَةِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَرِثُ بِالْوَلَاءِ الْمَرْأَةُ إذَا أَعْتَقَتْ مَوْلًى لَهَا وَلَيْسَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ الْعَصَبَةِ؟ .
[مَسْأَلَة تَعَاقُلُ أَهْلِ الذِّمَّةِ]
رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ نا عَمْرٌو - هُوَ ابْنُ عُبَيْدٍ - أَنَّ الْحَسَنَ كَانَ يَقُولُ فِي الْمُعَاهِدِ يَقْتُلُ، قَالَ: إنْ كَانُوا يَتَعَاقَلُونَ فَعَلَى الْعَوَاقِلِ، وَإِنْ كَانَ لَا، فَدَيْنٌ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ وَذِمَّتِهِ.
وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَيْضًا نا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ عَنْ أَشْعَثَ عَنْ الشَّعْبِيِّ فِي الْمُعَاهِدِ يَقْتُلُ، قَالَ: دِيَتُهُ لِلْمُسْلِمِينَ، وَعَقْلُهُ عَلَيْهِمْ.
وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَيْضًا نا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ فِي رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ فَقَأَ عَيْنَ رَجُلٍ مُسْلِمٍ قَالَ: دِيَتُهُ عَلَى أَهْلِ طسوجه.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute