للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: الصَّدَاقُ فِي ذِمَّةِ الْعَبْدِ وَالنَّفَقَةُ عَلَيْهِ إنْ كَانَ مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: تَخْصِيصُ الشَّافِعِيِّ الْمَأْذُونَ لَهُ فِي التِّجَارَةِ لَا وَجْهَ لَهُ، وَقَدْ يَكْسِبُ الْمَالَ مِنْ غَيْرِ التِّجَارَةِ، لَكِنْ بِعَمَلٍ أَوْ مِنْ صَنِيعَةٍ.

وَأَمَّا قَوْلُ اللَّيْثِ: إنْ لَمْ يَكُنْ لِلْعَبْدِ عَنْ خَرَاجِهِ فَضْلٌ فُرِّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ فَخَطَأٌ، لِأَنَّهُ لَا يَخْفَى مِنْ الْعَبِيدِ مَنْ لَهُ فَضْلٌ عَنْ خَرَاجِهِ مِمَّنْ لَا فَضْلَ لَهُ عَنْهُ، لِأَنَّهُ إذَا جَعَلَ الْخَرَاجَ لِلسَّيِّدِ لَا يُخْرِجُ مِنْهُ نَفَقَةَ الزَّوْجَةِ فَقَدْ صَارَ النِّكَاحُ لَغْوًا إذَا تَيَقَّنَ أَنَّ الْفَسْخَ يَتْلُوهُ.

وَأَمَّا تَخْصِيصُ مَالِكٍ أَنْ تُؤْخَذَ النَّفَقَةُ وَالصَّدَاقُ مِنْ غَيْرِ خَرَاجِهِ، فَقَوْلٌ بِلَا بُرْهَانٍ، لِأَنَّ الْخَرَاجَ كَسَائِرِ كَسْبِ الْعَبْدِ لَا يَكُونُ لِلسَّيِّدِ فِيهِ حَقٌّ أَصْلًا، إلَّا حَتَّى يَصِحَّ مِلْكُ الْعَبْدِ لَهُ بِإِجَازَتِهِ أَوْ بِبَيْعِهِ فِيهِ، فَإِذَا صَحَّ مِلْكُ الْعَبْدِ لَهُ كَانَ لِلسَّيِّدِ حِينَئِذٍ أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْهُ، وَلَا شَكَّ فِي أَنَّ السَّيِّدَ لَمْ يَمْلِكْ قَطُّ مِنْ خَرَاجِ الْعَبْدِ فَلْسًا قَبْلَ أَنْ يَجِبَ لِلْعَبْدِ بِعِلْمِهِ أَوْ بِبَيْعِهِ فِيهِ، فَإِذَا صَارَ لِلْعَبْدِ فَلَيْسَ السَّيِّدُ أَوْلَى بِهِ مِنْ سَائِرِ مَنْ لَهُ عِنْدَ الْعَبْدِ حَقٌّ، كَالزَّوْجَةِ وَالْغُرَمَاءِ.

وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ فَفِي غَايَةِ الْفَسَادِ، لِأَنَّهُ أَجَازَ نِكَاحًا بِلَا صَدَاقٍ - وَهَذَا خِلَافُ الْقُرْآنِ كَمَا أَوْرَدْنَا ثُمَّ جَعَلَ نِكَاحَهُ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ بِرِضَا سَيِّدِهِ وَوَطْأَهُ لِامْرَأَتِهِ الَّتِي أَبَاحَ اللَّهُ تَعَالَى وَطْأَهُ لَهَا وَيَأْجُرُهُ عَلَيْهِ جِنَايَةً وَدَيْنًا يُبَاعُ فِيهِ أَوْ تُسَلَّمُ رَقَبَتُهُ - وَلَا شَكَّ فِي أَنَّ رَقَبَةَ الْعَبْدِ مِلْكٌ لِلسَّيِّدِ، فَبِأَيِّ شَيْءٍ أَبَاحَ لَهَا مَالَ السَّيِّدِ الَّذِي حَرَّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهَا؟

وَهَذَا كَلَامٌ يُغْنِي سَمَاعُهُ عَنْ تَكَلُّفِ الرَّدِّ عَلَيْهِ مَعَ أَنَّهُ قَوْلٌ لَا يُعْلَمُ أَحَدٌ قَالَهُ قَبْلَهُمْ.

وَقَدْ ذَكَرَ بَعْضَهُمْ فِي ذَلِكَ مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَا بَأْسَ أَنْ يُزَوِّجَ الرَّجُلُ أَمَتَهُ عَبْدَهُ بِغَيْرِ مَهْرٍ.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا تَمْوِيهٌ مِنْ الَّذِي أَوْرَدَ هَذَا الْخَبَرَ، لِأَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ إنَّمَا عَنَى بِغَيْرِ ذِكْرِ مَهْرٍ، وَهَذَا جَائِزٌ لِكُلِّ أَحَدٍ حَتَّى إذَا طَلَبَتْهُ أَوْ طَلَبَهُ وَرَثَتُهَا قُضِيَ لَهَا أَوْ لَهُمْ كَمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِذَلِكَ.

[مَسْأَلَة كون الْمُسْلِم وليا للكافرة والكافر وليا للمسلمة]

١٨٤١ - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَكُونُ الْكَافِرُ وَلِيًّا لِلْمُسْلِمَةِ، وَلَا الْمُسْلِمُ وَلِيًّا لِلْكَافِرَةِ، الْأَبُ وَغَيْرُهُ سَوَاءٌ، وَالْكَافِرُ وَلِيٌّ لِلْكَافِرَةِ الَّتِي هِيَ وَلِيَّتُهُ يُنْكِحُهَا مِنْ الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ.

بُرْهَانُ ذَلِكَ -: قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [التوبة: ٧١]

<<  <  ج: ص:  >  >>