للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إنَّهُ إذَا كَانَ فِي ثَوْبِ الْمَرْءِ أَكْثَرُ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ الْبَغْلِيِّ مِنْ نَبِيذٍ مُسْكِرٍ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ. وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمُجْتَمِعَ عَلَى جَسَدِ الْمُتَوَضِّئِ بِالنَّبِيذِ أَوْ الْمُغْتَسِلِ بِهِ وَفِي ثَوْبِهِ أَكْثَرُ مِنْ دَرَاهِمَ بَغْلِيَّةٍ كَثِيرَةٍ. فَإِنْ قَالَ مَنْ يَنْتَصِرُ لَهُ: إنَّا لَا نَدْرِي أَيَلْزَمُ الْوُضُوءُ بِهِ فَلَا يُجْزِئُ تَرْكُهُ أَوْ لَا يَحِلُّ الْوُضُوءُ بِهِ فَلَا يُجْزِئُ فِعْلُهُ. فَجَمَعَنَا الْأَمْرَيْنِ. قِيلَ لَهُمْ: الْوُضُوءُ بِالْمَاءِ فَرْضٌ مُتَيَقَّنٌ عِنْدَ وُجُودِهِ، فَلَا يَجُوزُ تَرْكُهُ، وَالْوُضُوءُ بِالتَّيَمُّمِ عِنْدَ عَدَمِ مَا يُجْزِئُ الْوُضُوءُ بِهِ فَرْضٌ مُتَيَقَّنٌ، وَالْوُضُوءُ بِالنَّبِيذِ عِنْدَكُمْ غَيْرُ مُتَيَقَّنٍ، وَمَا لَمْ يَكُنْ مُتَيَقَّنًا فَاسْتِعْمَالُهُ لَا يَلْزَمُ، وَمَا لَا يَلْزَمُ فَلَا مَعْنَى لِفِعْلِهِ، وَلَوْ جِئْتُمْ إلَى اسْتِعْمَالِ كُلِّ مَا تَشُكُّونَ فِي وُجُوبِهِ لَعَظُمَ الْأَمْرُ عَلَيْكُمْ، لَا سِيَّمَا وَأَنْتُمْ عَلَى يَقِينٍ مِنْ أَنَّهُ نَجِسٌ يُفْسِدُ الصَّلَاةَ كَوْنُهُ فِي الثَّوْبِ، وَأَنْتُمْ مُقِرُّونَ أَنَّ الْوُضُوءَ بِالنَّجِسِ الْمُتَيَقَّنِ لَا يَحِلُّ.

وَأَمَّا الْمَالِكِيُّونَ وَالشَّافِعِيُّونَ فَإِنَّهُمْ كَثِيرًا مَا يَقُولُونَ فِي أُصُولِهِمْ وَفُرُوعِهِمْ: إنَّ خِلَافَ الصَّاحِبِ الَّذِي لَا يُعْرَفُ لَهُ مُخَالِفٌ مِنْهُمْ لَا يَحِلُّ. وَهَذَا مَكَانٌ نَقَضُوا فِيهِ هَذَا الْأَصْلَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

وَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ بِالْقِيَاسِ، وَقَدْ نَقَضَ هَهُنَا أَصْلَهُ فِي الْقَوْلِ بِهِ، فَلَمْ يَقِسْ الْأَمْرَاقَ وَلَا سَائِرَ الْأَنْبِذَةِ عَلَى نَبِيذِ التَّمْرِ، وَخَالَفَ أَيْضًا أَقْوَالَ طَائِفَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - كَمَا ذَكَرْنَا دُونَ مُخَالِفٍ يُعْرَفُ لَهُمْ فِي ذَلِكَ، وَهَذَا أَيْضًا هَادِمٌ لِأَصْلِهِ، فَلْيَقِفْ عَلَى ذَلِكَ مَنْ أَرَادَ الْوُقُوفَ عَلَى تَنَاقُضِ أَقْوَالِهِمْ، وَهَدْمِ فُرُوعِهِمْ لِأُصُولِهِمْ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

[مَسْأَلَة عدم جَوَازِ غمس المستيقظ يديه فِي وُضُوئِهِ]

١٤٩ - مَسْأَلَةٌ: وَفَرْضٌ عَلَى كُلِّ مُسْتَيْقِظٍ مِنْ نَوْمٍ - قَلَّ النَّوْمُ أَوْ كَثُرَ، نَهَارًا كَانَ أَوْ لَيْلًا، قَاعِدًا أَوْ مُضْطَجِعًا أَوْ قَائِمًا. فِي صَلَاةٍ أَوْ فِي غَيْرِ صَلَاةٍ، كَيْفَمَا نَامَ - أَلَا يُدْخِلَ يَدَهُ فِي وُضُوئِهِ - فِي إنَاءٍ كَانَ وُضُوءَهُ أَوْ مِنْ نَهْرٍ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ - حَتَّى يَغْسِلَهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَيَسْتَنْشِقَ وَيَسْتَنْثِرَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ. فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ لَمْ يُجِزْهُ الْوُضُوءُ وَلَا تِلْكَ الصَّلَاةُ. نَاسِيًا تَرَكَ ذَلِكَ أَوْ عَامِدًا. وَعَلَيْهِ أَنْ يَغْسِلَهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَيَسْتَنْشِقَ كَذَلِكَ ثُمَّ يَبْتَدِيَ الْوُضُوءَ وَالصَّلَاةَ، وَالْمَاءُ طَاهِرٌ بِحَسَبِهِ. فَإِنْ صَبَّ عَلَى يَدَيْهِ وَتَوَضَّأَ دُونَ أَنْ يَغْمِسَ يَدَيْهِ فَوُضُوءُهُ غَيْرُ تَامٍّ وَصَلَاتُهُ غَيْرُ تَامَّةٍ.

<<  <  ج: ص:  >  >>