للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّهَا مَيْتَةٌ، قَالَ إنَّهَا حَرُمَ أَكْلُهَا» وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ بِإِسْنَادِهِ فِي " كِتَابِ الطَّهَارَةِ " مِنْ دِيوَانِنَا هَذَا فَأَغْنَى عَنْ إعَادَتِهِ.

فَأَمَرَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِأَنْ يُنْتَفَعَ بِجُلُودِ الْمَيْتَةِ بَعْدَ الدِّبَاغِ، وَأَخْبَرَ أَنَّ أَكْلَهَا حَرَامٌ، وَالْبَيْعُ مَنْفَعَةٌ بِلَا شَكٍّ، فَهُوَ دَاخِلٌ فِي التَّحْلِيلِ، وَخَارِجٌ عَنْ التَّحْرِيمِ إذْ لَمْ يُفَصَّلْ تَحْرِيمُهُ، قَالَ تَعَالَى: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ} [الأنعام: ١١٩] أَمَّا الْخِنْزِيرُ: فَحَرَامٌ كُلُّهُ، حَاشَا طَهَارَةَ جِلْدِهِ بِالدِّبَاغِ فَقَطْ.

وَمِنْ عَجَائِبِ احْتِجَاجِ الْمَالِكِيِّينَ هَهُنَا قَوْلُهُمْ: إنَّ الْجِلْدَ يَمُوتُ، وَكَذَلِكَ الرِّيشُ تُسْقِيهِ الْمَيْتَةُ، وَأَمَّا الصُّوفُ وَالشَّعْرُ فَلَا يَمُوتُ - فَلَوْ عُكِسَ قَوْلُهُمْ، فَقِيلَ لَهُمْ: بَلْ الْجُلُودُ لَا تَمُوتُ وَكَذَلِكَ الرِّيشُ، وَأَمَّا الصُّوفُ وَالشَّعْرُ فَتُسْقِيهِ الْمَيْتَةُ؟ بِأَيِّ شَيْءٍ كَانُوا يَنْفَصِلُونَ، وَهَلْ هِيَ إلَّا دَعْوَى كَدَعْوَى؟ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ لَا بَأْسَ بِرِيشِ الْمَيْتَةِ، وَأَبَاحَ الِانْتِفَاعَ بِعَظْمِ الْفِيلِ وَبَيْعَهُ: طَاوُسٌ، وَابْنُ سِيرِينَ، وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ - وَمَنَعَ مِنْهُ الشَّافِعِيُّ، وَغَيْرُهُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

[مَسْأَلَة بَيْعُ الْمُكَاتَبِ قَبْلَ أَنْ يُؤَدِّيَ شَيْئًا مِنْ كِتَابَتِهِ]

١٥٥١ - مَسْأَلَةٌ: وَبَيْعُ الْمُكَاتَبِ قَبْلَ أَنْ يُؤَدِّيَ شَيْئًا مِنْ كِتَابَتِهِ جَائِزٌ، وَتَبْطُلُ الْكِتَابَةُ بِذَلِكَ، فَإِنْ أَدَّى مِنْهَا شَيْئًا حَرُمَ بَيْعُ مَا قَابَلَ مِنْهُ مَا أَدَّى، وَجَازَ بَيْعُ مَا قَابَلَ مِنْهُ مَا لَمْ يُؤَدِّ، وَبَطَلَتْ الْكِتَابَةُ فِيمَا بِيعَ مِنْهُ، وَبَقِيَ مَا قَابَلَ مِنْهُ مَا أَدَّى حُرًّا - مِثْلُ أَنْ يَكُونَ أَدَّى عُشْرَ كِتَابَتِهِ، فَإِنَّ عُشْرَهُ حُرٌّ - وَيَجُوزُ بَيْعُ تِسْعَةِ أَعْشَارِهِ، وَهَكَذَا فِي كُلِّ جُزْءٍ - كَثُرَ أَوْ قَلَّ - وَهَذَا مَكَانٌ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيهِ، فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: الْمُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ وَلَوْ دِرْهَمٌ مِنْ كِتَابَتِهِ أَوْ أَقَلُّ، وَبَيْعُهُ جَائِزٌ مَا دَامَ عَبْدًا وَتُنْتَقَضُ الْكِتَابَةُ بِذَلِكَ، وَالْمُكَاتَبُ عِنْدَهُمْ مُعْتَقٌ بِصِفَةٍ - وَهَذَا قَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ وَأَصْحَابِنَا.

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: الْمُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ كِتَابَتِهِ دِرْهَمٌ أَوْ أَقَلُّ، إلَّا أَنَّهُ لَا يَحِلُّ بَيْعُهُ إلَّا أَنْ يَعْجِزَ - وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ - وَهَذَا قَوْلٌ ظَاهِرُ التَّنَاقُضِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ عَبْدًا فَبَيْعُهُ جَائِزٌ مَا لَمْ يَأْتِ بِنَصٍّ بِالْمَنْعِ مِنْ بَيْعِهِ، وَلَا نَصَّ فِي ذَلِكَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>