عَنْ قَتَادَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَلَمَةَ الْخُزَاعِيُّ عَنْ عَمِّهِ قَالَ: «غَدَوْنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَبِيحَةَ عَاشُورَاءَ؛ فَقَالَ لَنَا: أَصْبَحْتُمْ صِيَامًا؟ قُلْنَا: قَدْ تَغَدَّيْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؛ قَالَ: فَصُومُوا بَقِيَّةَ يَوْمِكُمْ» .
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَمِنْ الْغَرَائِبِ تَمْوِيهُ الْحَنَفِيِّينَ بِهَذِهِ اللَّفْظَةِ الْمَوْضُوعَةِ فِي حَدِيثِ ابْنِ قَانِعٍ مِنْ قَوْلِهِ: «وَاقْضُوا» ثُمَّ خَالَفُوهَا فَلَمْ يَرَوْا الْقَضَاءَ إلَّا عَلَى مَنْ أَكَلَ دُونَ مَنْ لَمْ يَأْكُلْ، وَعَلَى مَنْ نَوَى بَعْدَ الزَّوَالِ. وَهَذَا كُلُّهُ خِلَافُ الْكِذْبَةِ الَّتِي اسْتَحَقُّوا بِهَا الْمَقْتَ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى، فَحَيْثُمَا تَوَجَّهُوا عَثَرُوا، وَبِكُلِّ مَا احْتَجُّوا فَقَدْ خَالَفُوهُ، وَهَكَذَا فَلْيَكُنْ الْخِذْلَانُ نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْهُ، وَأَمَّا مَنْ لَمْ يَعْلَمْ بِوُجُوبِ صَوْمِ ذَلِكَ الْيَوْمِ عَلَيْهِ إلَّا بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ فَإِنْ لَمْ يَصُمْهُ كَمَا أُمِرَ؛ وَلِأَنَّهُ لَمْ يَنْوِ فِي شَيْءٍ مِنْهُ صَوْمًا، وَلَمْ يَتَعَمَّدْ تَرْكَ النِّيَّةِ، فَلَا إثْمَ عَلَيْهِ فِيمَا لَمْ يَتَعَمَّدْ، وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِإِيجَابِ الْقَضَاءِ عَلَيْهِ نَصٌّ وَلَا إجْمَاعٌ، وَلَا يَجِبُ فِي الدِّينِ حُكْمٌ إلَّا بِأَحَدِهِمَا؛ وَإِنَّمَا أُمِرَ بِصِيَامِ ذَلِكَ الْيَوْمِ، لَا بِصَوْمِ غَيْرِهِ مَكَانَهُ، فَلَا يُجْزِئُ مَا لَمْ يُؤْمَرْ بِهِ مَكَانَ مَا أُمِرَ بِهِ.
[مَسْأَلَةٌ لَا يُجْزِئُ صَوْمُ التَّطَوُّعِ إلَّا بِنِيَّةٍ مِنْ اللَّيْلِ]
٧٣٠ - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يُجْزِئُ صَوْمُ التَّطَوُّعِ إلَّا بِنِيَّةٍ مِنْ اللَّيْلِ، وَلَا صَوْمُ قَضَاءِ رَمَضَانَ، أَوْ الْكَفَّارَاتِ إلَّا كَذَلِكَ، لِأَنَّ النَّصَّ وَرَدَ بِأَنْ لَا صَوْمَ لِمَنْ لَمْ يُبَيِّتْهُ مِنْ اللَّيْلِ كَمَا قَدَّمْنَا، وَلَمْ يَخُصَّ النَّصُّ مِنْ ذَلِكَ إلَّا مَا كَانَ فَرْضًا مُتَعَيِّنًا فِي وَقْتٍ بِعَيْنِهِ، وَبَقِيَ سَائِرُ ذَلِكَ عَلَى النَّصِّ الْعَامِّ.
وَقَوْلُنَا بِهَذَا فِي التَّطَوُّعِ، وَقَضَاءِ رَمَضَانَ، وَالْكَفَّارَاتِ: هُوَ قَوْلُ مَالِكٍ؛ وَأَبِي سُلَيْمَانَ وَغَيْرِهِمَا.
فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَكَيْفَ اسْتَجَزْتُمْ خِلَافَ الثَّابِتِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ الَّذِي رَوَيْتُمُوهُ مِنْ طَرِيقِ طَلْحَةَ بْنِ يَحْيَى بْنِ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ مُجَاهِدٍ، وَعَائِشَةَ بِنْتِ طَلْحَةَ كِلَاهُمَا عَنْ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهَا: هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ شَيْءٍ؟ وَقَالَ مَرَّةً: مِنْ غَدَاءٍ؟ قُلْنَا: لَا، قَالَ: فَإِنِّي إذَنْ صَائِمٌ» . وَقَالَ لَهَا مَرَّةً أُخْرَى: «هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ شَيْءٍ؟ قُلْنَا: نَعَمْ، أُهْدِيَ لَنَا حَيْسٌ، قَالَ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute