للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَهَذَا قَوْلُ عَطَاءٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَبَعْضِ أَصْحَابِنَا.

رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: قَالَ عَطَاءٌ فِيمَنْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا أَفْعَلُ كَذَا، وَاَللَّهِ لَا أَفْعَلُ كَذَا، لِأُمُورٍ شَتَّى - قَالَ: هُوَ قَوْلٌ وَاحِدٌ، وَلَكِنَّهُ خَصَّ كُلَّ وَاحِدٍ بِيَمِينٍ، قَالَ: كَفَّارَتَانِ.

وَقَالَ عَطَاءٌ فِيمَنْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَفْعَلُ كَذَا، وَكَذَا لِأَمْرَيْنِ شَتَّى فَعَمَّهُمَا بِالْيَمِينِ؟ قَالَ: كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ - وَلَا نَعْلَمُ لِمُتَقَدِّمٍ فِيهَا قَوْلًا آخَرَ.

وَقَالَ الْمَالِكِيُّونَ: هُوَ حَانِثٌ بِكُلِّ مَا فَعَلَ مِنْ ذَلِكَ، ثُمَّ يُخَرَّجُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ لِكُلِّ فِعْلٍ كَفَّارَةٌ - وَقَوْلٌ آخَرُ: إنَّهُ يَلْزَمُهُ كَفَّارَةٌ بِأَوَّلِ مَا يَحْنَثُ، ثُمَّ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ فِي سَائِرِ ذَلِكَ.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: الْيَمِينُ لَا تَكُونُ بِالنِّيَّةِ دُونَ الْقَوْلِ وَهُوَ لَمْ يَلْفِظْ إلَّا بِيَمِينٍ وَاحِدَةٍ، فَلَا يَلْزَمُهُ أَكْثَرَ مِنْ يَمِينٍ أَصْلًا، إذْ لَمْ يُوجِبْ لُزُومَهَا إيَّاهُ قُرْآنٌ؛ وَلَا سُنَّةٌ، فَإِذْ هِيَ يَمِينٌ وَاحِدَةٌ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي بَعْضِهَا عَلَى حِنْثٍ، وَفِي بَعْضِهَا عَلَى بِرٍّ؛ إنَّمَا هُوَ حَانِثٌ، أَوْ غَيْرُ حَانِثٌ: وَلَمْ يَأْتِ بِغَيْرِ هَذَا قُرْآنٌ، وَلَا سُنَّةٌ، وَلَا قِيَاسٌ، وَلَا قَوْلٌ مُتَقَدِّمٌ.

فَصَحَّ أَنَّهُ لَا يَكُونُ حَانِثًا إلَّا بِأَنْ يَفْعَلَ كُلَّ مَا عَقَّدَ بِتِلْكَ الْيَمِينِ أَنْ لَا يَفْعَلَهُ - وَأَيْضًا: فَالْأَمْوَالُ مَحْظُورَةٌ وَالشَّرَائِعُ لَا تَجِبُ بِدَعْوَى لَا نَصَّ مَعَهَا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

[مَسْأَلَةٌ حَلَفَ أَيْمَانًا كَثِيرَةً عَلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ]

١١٤٧ - مَسْأَلَةٌ

فَإِنْ حَلَفَ أَيْمَانًا كَثِيرَةً عَلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ، مِثْلُ: أَنْ يَقُولَ: بِاَللَّهِ لَا كَلَّمْت زَيْدًا، وَالرَّحْمَنِ لَا كَلَّمْته، وَالرَّحِيمِ لَا كَلَّمْته، بِاَللَّهِ ثَانِيَةً لَا كَلَّمْته، بِاَللَّهِ ثَالِثَةً لَا كَلَّمْته - وَهَكَذَا أَبَدًا فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ، أَوْ فِي مَجَالِسَ مُتَفَرِّقَةٍ، وَفِي أَيَّامٍ مُتَفَرِّقَةٍ: فَهِيَ كُلُّهَا يَمِينٌ وَاحِدَةٌ - وَلَوْ كَرَّرَهَا أَلْفَ أَلْفَ مَرَّةٍ - وَحِنْثٌ وَاحِدٌ؛ وَكَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ - وَلَا مَزِيدَ.

وَقَدْ اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي هَذَا -: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ أَبَانَ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: زَوَّجَ ابْنُ عُمَرَ مَمْلُوكَهُ مِنْ جَارِيَةٍ لَهُ، فَأَرَادَ الْمَمْلُوكُ سَفَرًا فَقَالَ لَهُ ابْنُ عُمَرَ: طَلِّقْهَا؟ فَقَالَ الْمَمْلُوكُ: وَاَللَّهِ لَا طَلَّقْتهَا فَقَالَ لَهُ ابْنُ عُمَرَ وَاَللَّهِ لَتُطَلِّقُنَّهَا كَرَّرَ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ؟ قَالَ مُجَاهِدٌ لِابْنِ عُمَرَ: كَيْفَ تَصْنَعُ؟ قَالَ: أُكَفِّرُ عَنْ يَمِينِي، فَقُلْت لَهُ: قَدْ حَلَفْت مِرَارًا؟ قَالَ: كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ.

<<  <  ج: ص:  >  >>