وَهَذَا مِمَّا تَرَكَهُ الْمَالِكِيُّونَ، وَهُمْ يَقُولُونَ بِالْمُرْسَلِ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَجْعَلُونَ لَهُمْ خِيَارًا قَبْلَ أَنْ يَرَاهُ أَصْلًا. وَذَكَرُوا مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ عَنْ مَكْحُولٍ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ اشْتَرَى شَيْئًا لَمْ يَرَهُ فَهُوَ بِالْخِيَارِ إذَا رَآهُ، إنْ شَاءَ أَخَذَهُ، وَإِنْ شَاءَ رَدَّهُ» . وَإِسْمَاعِيلُ ضَعِيفٌ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ مَرْيَمَ مَذْكُورٌ بِالْكَذِبِ، وَمُرْسَلٌ مَعَ ذَلِكَ، ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ لَهُ رَدَّهُ إنْ وَجَدَهُ بِخِلَافِ مَا وُصِفَ لَهُ.
[مَسْأَلَةٌ وَجَدَ مُشْتَرِي السِّلْعَةِ الْغَائِبَةِ مَا اشْتَرَى كَمَا وُصِفَ لَهُ]
١٤١٢ - مَسْأَلَةٌ: فَإِنْ وَجَدَ مُشْتَرِي السِّلْعَةِ الْغَائِبَةِ مَا اشْتَرَى كَمَا وُصِفَ لَهُ فَالْبَيْعُ لَهُ لَازِمٌ، وَإِنْ وَجَدَهُ بِخِلَافِ ذَلِكَ فَلَا بَيْعَ بَيْنَهُمَا إلَّا بِتَجْدِيدِ صِفَةٍ أُخْرَى بِرِضَاهُمَا جَمِيعًا.
بُرْهَانُ ذَلِكَ -: أَنَّهُ اشْتَرَى شِرَاءً صَحِيحًا إذَا وَجَدَ الصِّفَةَ كَمَا اشْتَرَى كَمَا ذَكَرْنَا آنِفًا، فَإِنْ وَجَدَ الصِّفَةَ بِخِلَافِ مَا عُقِدَ الِابْتِيَاعُ عَلَيْهِ فَبِيَقِينٍ نَدْرِي أَنَّهُ لَمْ يَشْتَرِ تِلْكَ السِّلْعَةَ الَّتِي وَجَدَ؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَى سِلْعَةً بِصِفَةِ كَذَا، لَا سِلْعَةً بِالصِّفَةِ الَّتِي وَجَدَ، فَالَّتِي وَجَدَ غَيْرَ الَّتِي اشْتَرَى بِلَا شَكٍّ مِنْ أَحَدٍ فَإِنْ لَمْ يَشْتَرِهَا فَلَيْسَتْ لَهُ.
فَإِنْ قِيلَ: فَأَلْزِمُوا الْبَائِعَ إحْضَارَ سِلْعَةٍ بِالصِّفَةِ الَّتِي بَاعَ؟ قُلْنَا: لَا يَحِلُّ هَذَا؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا بَاعَ عَيْنًا مُعَيَّنَةً لَا صِفَةً مَضْمُونَةً، فَلَا يَجُوزُ إلْزَامُهُ إحْضَارَ مَا لَمْ يَبِعْ - فَصَحَّ أَنَّ عَقْدَهُ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ عَلَى شَيْءٍ أَصْلًا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ - وَهَذَا قَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ وَغَيْرِهِ.
[مَسْأَلَةٌ بَيْع شَيْءٌ مِنْ الْغَائِبَاتِ بِغَيْرِ صِفَةٍ]
١٤١٣ - مَسْأَلَةٌ: فَإِنْ بِيعَ شَيْءٌ مِنْ الْغَائِبَاتِ بِغَيْرِ صِفَةٍ وَلَمْ يَكُنْ مِمَّا عَرَفَهُ الْبَائِعُ لَا بِرُؤْيَةٍ وَلَا بِصِفَةِ مَنْ يُصَدَّقُ مِمَّنْ رَأَى مَا بَاعَهُ وَلَا مِمَّا عَرَّفَهُ لِلْمُشْتَرِي بِرُؤْيَةٍ، أَوْ بِصِفَةِ مَنْ يُصَدَّقُ، فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ مَفْسُوخٌ أَبَدًا، لَا خِيَارَ فِي جَوَازِهِ أَصْلًا.
وَيَجُوزُ ابْتِيَاعُ الْمَرْءِ مَا وَصَفَهُ لَهُ الْبَائِعُ صَدَّقَهُ - أَوْ لَمْ يُصَدِّقْهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute