وَيَجُوزُ بَيْعُ الْمَرْءِ مَا وَصَفَهُ لَهُ الْمُشْتَرِي - صَدَّقَهُ أَوْ لَمْ يُصَدِّقْهُ - فَإِنْ وَجَدَ الْمَبِيعَ بِتِلْكَ الصِّفَةِ، فَالْمَبِيعُ لَازِمٌ، وَإِنْ وَجَدَ بِخِلَافِهَا، فَالْمَبِيعُ بَاطِلٌ وَلَا بُدَّ.
وَأَجَازَ الْحَنَفِيُّونَ بَيْعَ الْعَيْنِ الْمَجْهُولَةِ غَيْرِ الْمَوْصُوفَةِ، وَجَعَلُوا فِيهَا خِيَارَ الرُّؤْيَةِ، كَمَا ذَكَرْنَا - وَقَوْلُنَا فِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إلَّا بِمَعْرِفَةِ وَصْفِهِ: هُوَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي بَعْضِ ذَلِكَ، أَوْ قَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَغَيْرِهِمَا.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَاحْتَجَّ الْحَنَفِيُّونَ لِقَوْلِهِمْ بِالْخَبَرِ الثَّابِتِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ «نَهَى عَنْ بَيْعِ الْحَبِّ قَبْلَ أَنْ يَشْتَدَّ» ، قَالُوا: فَفِي هَذَا إبَاحَةُ بَيْعِهِ بَعْدَ اشْتِدَادِهِ وَهُوَ فِي أَكْمَامِهِ بَعْدُ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ وَلَا تُدْرَى صِفَتُهُ.
قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا مِمَّا مَوَّهُوا بِهِ وَأَوْهَمُوا أَنَّهُ حُجَّةٌ لَهُمْ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي هَذَا الْخَبَرِ إلَّا النَّهْيُ عَنْ بَيْعِهِ قَبْلَ اشْتِدَادِهِ فَقَطْ، وَلَيْسَ فِيهِ إبَاحَةُ بَيْعِهِ بَعْدَ اشْتِدَادِهِ، وَلَا الْمَنْعُ مِنْ ذَلِكَ؟ فَاعْجَبُوا لِجُرْأَةِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى بِالْبَاطِلِ؛ إذْ احْتَجُّوا بِهَذَا الْخَبَرِ مَا لَيْسَ فِيهِ مِنْهُ شَيْءٌ، وَخَالَفُوهُ فِيمَا جَاءَ فِيهِ نَصٌّ، فَهُمْ يُجِيزُونَ بَيْعَ الْحَبِّ قَبْلَ أَنْ يَشْتَدَّ عَلَى شَرْطِ الْقَطْعِ، فَيَا لَضَلَالِ هَذِهِ الطَّرِيقَةُ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَعَجَبٌ آخَرُ -: أَنَّهُمْ كَذَبُوا فِي هَذَا الْخَبَرِ فَأَقْحَمُوا فِيهِ مَا لَيْسَ فِيهِ مِنْهُ نَصٌّ وَلَا أَثَرٌ مِنْ إبَاحَةِ بَيْعِ الْحَبِّ بَعْدَ أَنْ يَشْتَدَّ، ثُمَّ لَمْ يَقْنَعُوا بِهَذِهِ الطَّامَّةِ حَتَّى أَوْجَبُوا بِهَذَا الْخَبَرِ مَا لَيْسَ فِيهِ لَهُ ذِكْرٌ وَلَا إشَارَةٌ إلَيْهِ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ: مِنْ بَيْعِ الْغَائِبَاتِ الَّتِي لَا تُعْرَفُ صِفَاتُهَا، وَلَا عَرَفَهَا الْبَائِعُ، وَلَا الْمُشْتَرِي، وَلَا وَصَفَهَا لَهُمَا أَحَدٌ، ثُمَّ لَمْ يَلْبَثُوا أَنْ نَقَضُوا ذَلِكَ كَكَرَّةِ الطَّرْفِ فَحَرَّمُوا بَيْعَ لَحْمِ الْكَبْشِ قَبْلَ ذَبْحِهِ، وَالنَّوَى دُونَ التَّمْرِ قَبْلَ أَكْلِهِ، وَبَيْعَ الزَّيْتِ فِي الزَّيْتُونِ قَبْلَ عَصْرِهِ، وَبَيْعَ الْأَلْبَانِ فِي الضُّرُوعِ - وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِكَ بِأَنَّهُ كُلُّهُ مَجْهُولٌ لَا تُدْرَى صِفَتُهُ، وَهَذَا مُوقٍ وَتَلَاعُبٍ بِالدِّينِ - وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ مِثْلِهِ.
قَالَ عَلِيٌّ: وَنَحْنُ نُجِيزُ بَيْعَ الْحَبِّ بَعْدَ اشْتِدَادِهِ كَمَا هُوَ فِي أَكْمَامِهِ بِأَكْمَامِهِ، وَبَيْعَ الْكَبْشِ حَيًّا وَمَذْبُوحًا كُلِّهِ لَحْمِهِ مَعَ جِلْدِهِ، وَبَيْعَ الشَّاةِ بِمَا فِي ضَرْعِهَا مِنْ اللَّبَنِ، وَبَيْعَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute