النَّوَى مَعَ التَّمْرِ؛ لِأَنَّهُ كُلَّهُ ظَاهِرٌ مَرْئِيٌّ - وَلَا يَحِلُّ بَيْعُهُ دُونَ أَكْمَامِهِ؛ لِأَنَّهُ مَجْهُولٌ لَا يَدْرِي أَحَدٌ صِفَتَهُ، وَلَا بَيْعُ اللَّحْمِ دُونَ الْجِلْدِ، وَلَا النَّوَى دُونَ التَّمْرِ، وَلَا اللَّبَنِ دُونَ الشَّاةِ كَذَلِكَ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَلَا يَخْلُو بَيْعُ كُلِّ ذَلِكَ قَبْلَ ظُهُورِهِ مِنْ أَنْ يَكُونَ إخْرَاجُهُ مُشْتَرَطًا عَلَى الْبَائِعِ، أَوْ عَلَى الْمُشْتَرِي، أَوْ عَلَيْهِمَا، أَوْ عَلَى غَيْرِهِمَا، أَوْ لَا عَلَى أَحَدٍ، فَإِنْ كَانَ مُشْتَرَطًا عَلَى الْبَائِعِ، أَوْ عَلَى الْمُشْتَرِي: فَهُوَ بَيْعٌ بِثَمَنٍ مَجْهُولٍ وَإِجَارَةٌ بِثَمَنٍ مَجْهُولٍ - وَهَذَا بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ لَا يَحِلُّ - بِنَصِّ الْقُرْآنِ - إلَّا بِالتَّرَاضِي، وَالتَّرَاضِي بِضَرُورَةِ الْحِسِّ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ إلَّا بِمَعْلُومٍ لَا بِمَجْهُولٍ، فَكَذَلِكَ إنْ كَانَ مُشْتَرَطًا عَلَيْهِمَا، أَوْ عَلَى غَيْرِهِمَا.
وَأَيْضًا: فَإِنَّ كُلَّ ذَلِكَ شَرْطٌ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ بَاطِلٌ، فَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ عَلَى أَحَدٍ فَهُوَ أَكْلُ مَالٍ بِالْبَاطِلِ حَقًّا؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِلُ إلَى أَخْذِ مَا اشْتَرَاهُ؟ قَالَ عَلِيٌّ: وَالْبُرْهَانُ عَلَى بُطْلَانِ بَيْعِ مَا لَمْ يُعْرَفْ بِرُؤْيَةٍ وَلَا بِصِفَةٍ: صِحَّةُ «نَهْيِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ» وَهَذَا عَيْنُ الْغَرَرِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي مَا اشْتَرَى أَوْ بَاعَ.
وَقَوْلُ اللَّهِ؛ تَعَالَى: {إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: ٢٩] . وَلَا يُمْكِنُ أَصْلًا وُقُوعُ التَّرَاضِي عَلَى مَا لَا يُدْرَى قَدْرُهُ وَلَا صِفَاتُهُ، وَإِنَّمَا فَرَّقْنَا بَيْنَ صِفَةِ الْبَائِعِ لِلْمُشْتَرِي، أَوْ الْمُشْتَرِي لِلْبَائِعِ - صَدَّقَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ أَوْ لَمْ يُصَدِّقْهُ - فَأَجَزْنَا الْبَيْعَ بِذَلِكَ وَبَيْنَ صِفَةِ غَيْرِهِمَا، فَلَمْ يُجِزْهُ إلَّا مِمَّنْ يُصَدِّقُهُ الْمَوْصُوفُ لَهُ، فَلِأَنَّ صِفَةَ الْبَائِعِ لِلْمُشْتَرِي، أَوْ صِفَةَ الْمُشْتَرِي لِلْبَائِعِ عَلَيْهَا وَقَعَ الْبَيْعُ، وَبِهَا تَرَاضَيَا، فَإِنْ وَجَدَ الْمَبِيعَ كَذَلِكَ عَلِمْنَا أَنَّ الْبَيْعَ وَقَعَ صَحِيحًا عَلَى حَقٍّ وَعَلَى مَا يَصِحُّ بِهِ التَّرَاضِي وَإِلَّا فَلَا.
وَأَمَّا إذَا وَصَفَهُ لَهُمَا غَيْرُهُمَا مِمَّنْ لَا يُصَدِّقُهُ الْمَوْصُوفُ لَهُ فَإِنَّ الْبَيْعَ هَهُنَا لَمْ يَقَعْ عَلَى صِفَةٍ أَصْلًا، فَوَقَعَ الْعَقْدُ عَلَى مَجْهُولٍ مِنْ أَحَدِهِمَا أَوْ مِنْ كِلَيْهِمَا - وَهَذَا حَرَامٌ لَا يَحِلُّ. فَإِنْ وَصَفَهُ مَنْ صَدَّقَهُ الْمَوْصُوفُ لَهُ، فَالتَّصْدِيقُ يُوجِبُ الْعِلْمَ، فَإِنَّمَا اشْتَرَى مَا عَلِمَ، أَوْ بَاعَ الْبَائِعُ مَا عَلِمَ، فَالْعَقْدُ صَحِيحٌ، وَالتَّرَاضِي صَحِيحٌ.
فَإِنْ وَجَدَ الْمَبِيعَ كَذَلِكَ عَلِمَ أَنَّ الْبَيْعَ انْعَقَدَ عَلَى صِحَّةٍ، وَإِنْ وَجَدَ بِخِلَافِ ذَلِكَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute