للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كُلَّهُمْ يَلْتَقُونَ فِي أَبٍ بَعْدَ أَبٍ إلَى آدَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِلَا شَكٍّ، فَلَوْ جَازَ إنْكَاحُ الْأَبْعَدِ مَعَ وُجُودِ الْأَقْرَبِ لَجَازَ إنْكَاحُ كُلِّ مَنْ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ لِأَنَّهُ يَلْقَاهَا بِلَا شَكٍّ فِي بَعْضِ آبَائِهَا، فَإِنْ حَدُّوا فِي ذَلِكَ حَدًّا كُلِّفُوا الْبُرْهَانَ عَلَيْهِ، وَلَا سَبِيلَ إلَيْهِ - فَصَحَّ يَقِينًا أَنَّهُ لَا حَقَّ مَعَ الْأَقْرَبِ لِلْأَبْعَدِ، ثُمَّ إنْ عُدِمَ فَمَنْ فَوْقَهُ بَابٌ هَكَذَا أَبَدًا مَا دَامَ يُعْلَمُ لَهَا وَلِيٌّ عَاصِبٌ، كَالْمِيرَاثِ وَلَا فَرْقَ.

وَأَمَّا إنْ كَانَ الْوَلِيُّ غَائِبًا فَلَا بُدَّ مِنْ انْتِظَارِهِ، فَإِنْ قَالُوا: إنَّ ذَلِكَ يَضُرُّ بِهَا؟ قُلْنَا: الضَّرُورَةُ لَا تُبِيحُ الْفُرُوجَ - وَقَدْ وَافَقَنَا الْمَالِكِيُّونَ عَلَى أَنَّهُ إنْ كَانَ لِلزَّوْجِ الْغَائِبِ مَالٌ يُنْفَقُ مِنْهُ عَلَى الْمَرْأَةِ لَمْ تَطْلُقْ عَلَيْهِ - وَإِنْ أَضَرَّتْ غَيْبَتُهُ بِهَا فِي فَقْدِ الْجِمَاعِ وَضَيَاعِ كَثِيرٍ مِنْ أُمُورِهَا - وَوَافَقَنَا الْحَنَفِيُّونَ فِي أَنَّهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ فَإِنَّهَا لَا تَطْلُقُ عَلَيْهِ وَلَا ضَرَرَ أَضَرَّ مِنْ عَدَمِ النَّفَقَةِ.

ثُمَّ نَسْأَلُهُمْ فِي حَدِّ الْغَيْبَةِ الَّتِي يَنْتَظِرُونَ الْوَلِيَّ فِيهَا مِنْ الْغَيْبَةِ الَّتِي لَا يَنْتَظِرُونَهُ فِيهَا، فَإِنَّهُمْ لَا يَأْتُونَ إلَّا بِفَضِيحَةٍ، وَبِقَوْلٍ لَا يُعْقَلُ وَجْهُهُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى نَتَأَيَّدُ.

[مَسْأَلَة إنْكَاحُ الْأَبِ ابْنَتَهُ الصَّغِيرَةَ]

١٨٢٦ - مَسْأَلَةٌ: وَلِلْأَبِ أَنْ يُزَوِّجَ ابْنَتَهُ الصَّغِيرَةَ الْبِكْرَ - مَا لَمْ تَبْلُغْ - بِغَيْرِ إذْنِهَا، وَلَا خِيَارَ لَهَا إذَا بَلَغَتْ فَإِنْ كَانَتْ ثَيِّبًا مِنْ زَوْجٍ مَاتَ عَنْهَا أَوْ طَلَّقَهَا لَمْ يَجُزْ لِلْأَبِ وَلَا لِغَيْرِهِ أَنْ يُزَوِّجَهَا حَتَّى تَبْلُغَ، وَلَا إذْنَ لَهُمَا قَبْلَ أَنْ تَبْلُغَ.

وَإِذَا بَلَغَتْ الْبِكْرُ وَالثَّيِّبُ لَمْ يَجُزْ لِلْأَبِ وَلَا لِغَيْرِهِ أَنْ يُزَوِّجَهَا إلَّا بِإِذْنِهَا، فَإِنْ وَقَعَ فَهُوَ مَفْسُوخٌ أَبَدًا.

فَأَمَّا الثَّيِّبُ فَتَنْكِحُ مَنْ شَاءَتْ، وَإِنْ كَرِهَ الْأَبُ.

وَأَمَّا الْبِكْرُ فَلَا يَجُوزُ لَهَا نِكَاحٌ إلَّا بِاجْتِمَاعِ إذْنِهَا وَإِذْنِ أَبِيهَا.

وَأَمَّا الصَّغِيرَةُ الَّتِي لَا أَبَ لَهَا فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يُنْكِحَهَا لَا مِنْ ضَرُورَةٍ وَلَا مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ حَتَّى تَبْلُغَ، وَلَا لِأَحَدٍ أَنْ يُنْكِحَ مَجْنُونَةً حَتَّى تُفِيقَ وَتَأْذَنَ، إلَّا الْأَبَ فِي الَّتِي لَمْ تَبْلُغْ وَهِيَ مَجْنُونَةٌ فَقَطْ.

وَفِي بَعْضِ مَا ذَكَرْنَا خِلَافٌ -: قَالَ ابْنُ شُبْرُمَةَ: لَا يَجُوزُ إنْكَاحُ الْأَبِ ابْنَتَهُ الصَّغِيرَةَ إلَّا حَتَّى تَبْلُغَ وَتَأْذَنَ، وَرَأَى أَمْرَ

<<  <  ج: ص:  >  >>