للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَلَا سَبِيلَ لَهُمْ إلَى أَنْ يُوجِدُوا عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَنَّ الْفُسُوقَ لَا يُبْطِلُ الْإِحْرَامَ؛ وَأَمَّا مَنْ فَسَقَ غَيْرَ ذَاكِرٍ لِإِحْرَامِهِ فَإِنَّهُ لَا يَبْطُلُ بِذَلِكَ إحْرَامُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ إبْطَالَهُ وَلَا أَتَى بِإِحْرَامِهِ بِخِلَافِ مَا أُمِرَ بِهِ عَامِدًا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

[مَسْأَلَةٌ الْجَدَلُ بِالْبَاطِلِ وَفِي الْبَاطِلِ عَمْدًا ذَاكِرًا لِإِحْرَامِهِ]

٨٦٥ - مَسْأَلَةٌ:

وَالْجِدَالُ قِسْمَانِ: قِسْمٌ فِي وَاجِبٍ وَحَقٍّ، وَقِسْمٌ فِي بَاطِلٍ؛ فَاَلَّذِي فِي الْحَقِّ وَاجِبٌ فِي الْإِحْرَامِ وَغَيْرِ الْإِحْرَامِ قَالَ تَعَالَى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل: ١٢٥] .

وَمَنْ جَادَلَ فِي طَلَبِ حَقٍّ لَهُ فَقَدْ دَعَا إلَى سَبِيلِ رَبِّهِ تَعَالَى، وَسَعَى فِي إظْهَارِ الْحَقِّ وَالْمَنْعِ مِنْ الْبَاطِلِ، وَهَكَذَا كُلُّ مَنْ جَادَلَ فِي حَقٍّ لِغَيْرِهِ أَوْ لِلَّهِ تَعَالَى.

وَالْجَدَلُ بِالْبَاطِلِ وَفِي الْبَاطِلِ عَمْدًا ذَاكِرًا لِإِحْرَامِهِ مُبْطِلٌ لِلْإِحْرَامِ وَلِلْحَجِّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} [البقرة: ١٩٧] وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

[مَسْأَلَةٌ مَنْ لَمْ يُلَبِّ فِي شَيْءٍ مِنْ حَجِّهِ أَوْ عُمْرَتِهِ]

٨٦٦ - مَسْأَلَةٌ:

وَمَنْ لَمْ يُلَبِّ فِي شَيْءٍ مِنْ حَجِّهِ أَوْ عُمْرَتِهِ بَطَلَ حَجُّهُ وَعُمْرَتُهُ فَإِنْ لَبَّى وَلَوْ مَرَّةً وَاحِدَةً أَجْزَأَهُ، وَالِاسْتِكْثَارُ أَفْضَلُ؛ فَلَوْ لَبَّى وَلَمْ يَرْفَعْ صَوْتَهُ فَلَا حَجَّ لَهُ وَلَا عُمْرَةَ لِأَمْرِ جِبْرِيلَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِأَنْ يَأْمُرَ أَصْحَابَهُ أَنْ يَرْفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ بِالتَّلْبِيَةِ، فَمَنْ لَمْ يُلَبِّ أَصْلًا أَوْ لَبَّى وَلَمْ يَرْفَعْ صَوْتَهُ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى ذَلِكَ فَلَمْ يَحُجَّ وَلَا اعْتَمَرَ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَقَدْ قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» وَلَوْ أَنَّهُمْ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - إذْ أَمَرَهُمْ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِرَفْعِ أَصْوَاتِهِمْ بِالتَّلْبِيَةِ أَبَوْا لَكَانُوا عُصَاةً بِلَا شَكٍّ، وَالْمَعْصِيَةُ فُسُوقٌ بِلَا خِلَافٍ، وَقَدْ أَعَاذَهُمْ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ ذَلِكَ قَالَ تَعَالَى: {فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} [البقرة: ١٩٧] وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْفُسُوقَ يُبْطِلُ الْحَجَّ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

وَمَنْ لَبَّى مَرَّةً وَاحِدَةً رَافِعًا صَوْتَهُ فَقَدْ لَبَّى كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَوَقَعَ عَلَيْهِ اسْمُ: مُلَبٍّ وَعَلَى فِعْلِهِ اسْمُ: التَّلْبِيَةِ، فَقَدْ أَدَّى مَا عَلَيْهِ، وَمَنْ أَدَّى مَا عَلَيْهِ لَمْ يَلْزَمْهُ فَرْضًا أَنْ يُؤَدِّيَ مَا لَيْسَ عَلَيْهِ، وَالْفَرَائِضُ لَا تَكُونُ إلَّا مَحْدُودَةً لِيَعْلَمَ النَّاسُ مَا يَلْزَمُهُمْ مِنْهَا، وَمَا لَا حَدَّ لَهُ فَلَيْسَ فَرْضًا عَلَيْهِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ؛ لِأَنَّ فِي إلْزَامِهِ تَكْلِيفَ مَا لَا يُطَاقُ - وَقَدْ أَمَّنَنَا اللَّهُ تَعَالَى مِنْ ذَلِكَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>