قَوْلُكُمْ - وَإِنْ قَالُوا: هُوَ حَانِثٌ؟ قُلْنَا: فَأَوْجِبُوا عَلَيْهِ الْكَفَّارَةَ، وَطَلَاقَ امْرَأَتِهِ فِي قَوْلِكُمْ - إنْ كَانَ حَانِثًا - وَهُمْ لَا يَقُولُونَ بِذَلِكَ.
فَظَهَرَ يَقِينُ فَسَادِ قَوْلِهِمْ بِلَا مِرْيَةٍ، وَأَنَّ قَوْلَهُمْ: هُوَ عَلَى حِنْثٍ، وَلَيْسَ حَانِثًا، وَلَا حِنْثَ بَعْدُ -: كَلَامٌ مُتَنَاقِضٌ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ وَالتَّخْلِيطِ.
وَأَمَّا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فَخَطَأٌ؛ لِأَنَّهُ أَوْجَبَ الْحِنْثَ بَعْدَ الْبِرِّ بِلَا نَصٍّ وَلَا إجْمَاعٍ - وَلَا يَقَعُ الْحِنْثُ عَلَى مَيِّتٍ بَعْدَ مَوْتِهِ - فَلَاحَ أَنَّ قَوْلَهُ دَعْوَى بِلَا بُرْهَانٍ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
[مَسْأَلَةٌ الْحَلِفُ بِالْأَمَانَةِ وَبِعَهْدِ اللَّهِ وَمِيثَاقِهِ]
١١٢٩ - مَسْأَلَةٌ: وَأَمَّا الْحَلِفُ بِالْأَمَانَةِ، وَبِعَهْدِ اللَّهِ وَمِيثَاقِهِ، وَمَا أَخَذَ يَعْقُوبُ عَلَى بَنِيهِ، وَأَشَدَّ مَا أَخَذَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ، وَحَقِّ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَحَقِّ الْمُصْحَفِ، وَحَقِّ الْإِسْلَامِ، وَحَقِّ الْكَعْبَةِ، وَأَنَا كَافِرٌ، وَلَعَمْرِي، وَلَعَمْرُك، وَلْأَفْعَلَنَّ كَذَا، وَأُقْسِمُ، وَأَقْسَمْت، وَأَحْلِفُ، وَحَلَفْت، وَأَشْهَدُ، وَعَلَيَّ يَمِينٌ، أَوْ عَلَيَّ أَلْفُ يَمِينٍ، أَوْ جَمِيعُ الْأَيْمَانِ تَلْزَمُنِي -: فَكُلُّ هَذَا لَيْسَ يَمِينًا - وَالْيَمِينُ بِهَا مَعْصِيَةٌ، لَيْسَ فِيهَا إلَّا التَّوْبَةُ وَالِاسْتِغْفَارُ؛ لِأَنَّهُ كُلَّهُ غَيْرُ اللَّهِ - وَلَا يَجُوزُ الْحَلِفُ إلَّا بِاَللَّهِ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَالْعَجَبُ مِمَّنْ يَرَى هَذِهِ الْأَلْفَاظَ يَمِينًا، وَيَرَى الْحَلِفَ بِالْمَشْيِ إلَى مَكَّةَ، وَبِالطَّلَاقِ، وَبِالْعِتْقِ، وَبِصَدَقَةِ الْمَالِ: أَيْمَانًا - ثُمَّ لَا يُحَلَّفُ فِي حُقُوقِ النَّاسِ مِنْ الدِّمَاءِ، وَالْفُرُوجِ، وَالْأَمْوَالِ، وَالْأَبْشَارِ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ - وَهِيَ أَوْكَدُ عِنْدَهُمْ -؛ لِأَنَّهَا لَا كَفَّارَةَ لَهَا، وَيُحَلِّفُونَهُمْ بِاَللَّهِ، وَفِيهِ الْكَفَّارَةُ، أَلَيْسَ هَذَا عَجَبًا؟ وَلَئِنْ كَانَتْ أَيْمَانًا عِنْدَهُمْ -: بَلْ مِنْ أَغْلَظِ الْأَيْمَانِ وَأَشَدِّهَا -: فَالْوَاجِبُ أَنْ يُحَلِّفُوا النَّاسَ بِالْأَيْمَانِ الْغَلِيظَةِ، وَلَئِنْ كَانَتْ لَيْسَتْ أَيْمَانًا فَلِمَ يَقُولُونَ: إنَّهَا أَيْمَانٌ؟ حَسْبُنَا اللَّهُ، وَهُوَ الْمُسْتَعَانُ.
وَفِي كُلِّ مَا ذَكَرْنَا خِلَافٌ قَدِيمٌ مِنْ السَّلَفِ يَرَوْنَ كُلَّ ذَلِكَ أَيْمَانًا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ نا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ لَيْثٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: لَأَنْ أَحْلِفَ بِاَللَّهِ كَاذِبًا أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أَحْلِفَ بِغَيْرِ اللَّهِ صَادِقًا.
وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ وَبَرَةَ قَالَ: قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ، أَوْ ابْنُ عُمَرَ: لَأَنْ أَحْلِفَ بِاَللَّهِ كَاذِبًا أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أَحْلِفَ بِغَيْرِهِ صَادِقًا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute