لَمْ يَذْكُرَا - فَأَبْطَلَهُ، وَبَيْنَ النِّكَاحَيْنِ لَا يَعْقِدُ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ، فَأَجَازَهُ، وَهَذَا قَوْلُنَا، وَمَا نَعْلَمُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ خِلَافًا لِمَا ذَكَرْنَا.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَإِنْ خَطَبَ أَحَدُهُمَا إلَى الْآخَرِ فَزَوَّجَهُ، ثُمَّ خَطَبَ الْآخَرُ إلَيْهِ فَزَوَّجَهُ، فَذَلِكَ جَائِزٌ مَا لَمْ يُشْتَرَطْ أَنْ يُزَوِّجَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ - فَهَذَا هُوَ الْحَرَامُ الْبَاطِلُ.
وَالْعَجَبُ أَنَّ بَعْضَهُمْ احْتَجَّ بِأَنْ قَالَ: إنَّ هَذَا بِمَنْزِلَةِ النِّكَاحِ يُعْقَدُ عَلَى أَنْ يَكُونَ صَدَاقُهُ خَمْرًا أَوْ خِنْزِيرًا؟ فَقُلْنَا: نَعَمْ، وَكُلُّ مَفْسُوخٍ بَاطِلٌ أَبَدًا، لِأَنَّهُ عَقَدَ عَلَى أَنْ لَا صِحَّةَ لِذَلِكَ الْعَقْدِ إلَّا بِذَلِكَ الْمَهْرِ، وَذَلِكَ الْمَهْرُ بَاطِلٌ، فَاَلَّذِي لَا يَصِحُّ إلَّا بِصِحَّةِ بَاطِلٍ بَاطِلٌ، بِلَا شَكٍّ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
[مَسْأَلَةٌ نِكَاحٌ عَلَى شَرْطٍ]
١٨٥٧ - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَصِحُّ نِكَاحٌ عَلَى شَرْطٍ أَصْلًا، حَاشَا الصَّدَاقَ الْمَوْصُوفَ فِي الذِّمَّةِ أَوْ الْمَدْفُوعَ، أَوْ الْمُعَيَّنَ، وَعَلَى أَنْ لَا يَضُرَّ بِهَا فِي نَفْسِهَا وَمَالِهَا: إمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ.
وَأَمَّا بِشَرْطِ هِبَةٍ أَوْ بَيْعٍ أَوْ أَنْ لَا يَتَسَرَّى عَلَيْهَا، أَوْ أَنْ لَا يُرَحِّلَهَا، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ كُلِّهِ، فَإِنْ اشْتَرَطَ ذَلِكَ فِي نَفْسِ الْعَقْدِ فَهُوَ عَقْدٌ مَفْسُوخٌ، وَإِنْ اشْتَرَطَ ذَلِكَ بَعْدَ الْعَقْدِ فَالْعَقْدُ صَحِيحٌ وَالشُّرُوطُ كُلُّهَا بَاطِلٌ، سَوَاءٌ عَقَدَهَا بِعِتْقٍ أَوْ بِطَلَاقٍ أَوْ بِأَنْ أَمَرَهَا بِيَدِهَا، أَوْ أَنَّهَا بِالْخِيَارِ كُلُّ ذَلِكَ بَاطِلٌ.
وَكَذَلِكَ إنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى حُكْمِهِ، أَوْ عَلَى حُكْمِهَا، أَوْ عَلَى حُكْمِ فُلَانٍ، فَكُلُّ ذَلِكَ عَقْدٌ فَاسِدٌ - وَقَدْ أَجَازَ بَعْضَ ذَلِكَ قَوْمٌ -: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ: أَنَّ الْأَشْعَثَ تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى حُكْمِهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَتَّفِقَا عَلَى صَدَاقٍ، فَجَعَلَ لَهَا عُمَرُ صَدَاقَ امْرَأَةٍ مِنْ نِسَائِهَا - وَهَذَا مُنْقَطِعٌ عَنْ عُمَرَ، لِأَنَّ ابْنَ سِيرِينَ لَمْ يُولَدْ إلَّا بَعْدَ مَوْتِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.
وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّهُ قَالَ: فَمَنْ تَزَوَّجَ عَلَى حُكْمِهِ: إنَّهُ لَيْسَ لَهَا إلَّا مَا حَكَمَ بِهِ الزَّوْجُ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ، وَالْأَوْزَاعِيُّ: إنْ اتَّفَقَا عَلَى شَيْءٍ إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى حُكْمِهَا أَوْ حُكْمِهِ جَازَ، فَإِنْ لَمْ يَتَّفِقَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالْأَوْزَاعِيُّ: فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute