للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَانَ قَالَ فِي أَوَّلِهِ: تَمَتَّعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ فِي الْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ فَإِنَّهُ بَيَّنَ إثْرَ هَذَا الْكَلَامِ صِفَةَ «عَمَلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بَدَأَ فَأَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ ثُمَّ أَهَلَّ بِالْحَجِّ» فَذَكَرَ صِفَةَ الْقِرَانِ.

وَهَكَذَا صَحَّ فِي سَائِرِ الْأَخْبَارِ مِنْ رِوَايَةِ الْبَرَاءِ، وَعَائِشَةَ، وَحَفْصَةَ أُمَّيْ الْمُؤْمِنِينَ، وَأَنَسٍ، وَغَيْرِهِمْ: أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ قَارِنًا.

فَصَحَّ أَنَّ الَّذِينَ أَمَرَهُمْ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إذْ أَهْدَوْا بِأَنْ لَا يَحِلُّوا إنَّمَا كَانُوا قَارِنِينَ - وَهَكَذَا رَوَتْ عَائِشَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَمَرَ مَنْ مَعَهُ الْهَدْيُ بِأَنْ يُهِلَّ بِحَجٍّ مَعَ عُمْرَتِهِ» فَعَادَ احْتِجَاجُهُمْ عَلَيْهِمْ - وَبِاَللَّهِ - تَعَالَى - التَّوْفِيقُ.

فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: قَدْ صَحَّ الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّ مَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ فَابْتَدَأَ عُمْرَتَهُ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ؛ ثُمَّ أَقَامَ بِمَكَّةَ إلَى أَنْ حَجَّ لَمْ يَخْرُجْ عَنْهَا أَنَّهُ مُتَمَتِّعٌ عَلَيْهِ الْهَدْيُ، أَوْ الصَّوْمُ - وَاخْتَلَفُوا فِيهِ إذَا أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ، وَإِذَا خَرَجَ بَيْنَ عُمْرَتِهِ، وَحَجِّهِ مِنْ مَكَّةَ أَمُتَمَتِّعٌ [هُوَ] أَمْ لَا؟ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَلْزَمَهُ الْهَدْيُ أَوْ الصَّوْمُ إلَّا مَنْ أَجْمَعَ عَلَى أَنَّهُ يَلْزَمُهُ حُكْمُ الْمُتَمَتِّعِ؟ قُلْنَا: هَذَا خَطَأٌ، وَمَا أَجْمَعَ النَّاسُ قَطُّ عَلَى مَا قُلْتُمْ؛ وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ ابْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّ الْمُتَمَتِّعَ هُوَ الْمُحْصَرُ لَا مَنْ حَجَّ بَعْدَ أَنْ اعْتَمَرَ، وَلَا مَعْنَى لِمُرَاعَاةِ الْإِجْمَاعِ مَعَ وُرُودِ بَيَانِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ لِأَنَّ فِي الْقَوْلِ بِهَذَا إيجَابَ مُخَالَفَةِ أَوَامِرِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَا لَمْ يُجْمِعْ النَّاسُ عَلَيْهَا؛ وَهَذَا عَيْنُ الْبَاطِلِ بَلْ إذَا تَنَازَعَ النَّاسُ رَدَدْنَا ذَلِكَ إلَى مَا افْتَرَضَ اللَّهُ - تَعَالَى - عَلَيْنَا الرَّدَّ إلَيْهِ مِنْ الْقُرْآنِ، وَالسُّنَّةِ لَا نُرَاعِي مَا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ مَعَ وُجُودِ بَيَانِ السُّنَّةِ فِي أَحَدِ أَقْوَالِ الْمُتَنَازِعِينَ وَبِاَللَّهِ - تَعَالَى - التَّوْفِيقُ.

[الْوُقُوفُ بِالْهَدْيِ بِعَرَفَةَ]

وَأَمَّا قَوْلُنَا: لَا يَجِبُ الْوُقُوفُ بِالْهَدْيِ بِعَرَفَةَ فَإِنْ وَقَفَ بِهَا فَحَسَنٌ، وَإِلَّا فَحَسَنٌ؛ فَإِنَّ مَالِكًا وَمَنْ قَلَّدَهُ قَالَ: لَا يُجْزِئُ مِنْ الْهَدْيِ الَّذِي يُبْتَاعُ فِي الْحَرَمِ إلَّا أَنْ يُوقَفَ بِعَرَفَةَ وَلَا بُدَّ؛ وَإِلَّا فَلَا يُجْزِئُ إنْ كَانَ وَاجِبًا؛ فَإِنْ كَانَ تَطَوُّعًا فَلَمْ يُوقَفْ بِعَرَفَةَ فَإِنَّهُ يُنْحَرُ بِمَكَّةَ وَلَا بُدَّ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُنْحَرَ بِمِنًى، فَإِنْ اُبْتِيعَ الْهَدْيُ فِي الْحِلِّ ثُمَّ أُدْخِلَ الْحَرَمَ أَجْزَأَ، وَإِنْ لَمْ يُوقَفْ بِعَرَفَةَ - وَالْإِبِلُ، وَالْبَقَرُ، وَالْغَنَمُ عِنْدَهُمْ سَوَاءٌ فِي كُلِّ ذَلِكَ.

وَقَالَ اللَّيْثُ: لَا يَكُونُ هَدْيًا إلَّا مَا قَلَّدَ وَأَشْعَرَ وَوَقَفَ بِعَرَفَةَ -:

<<  <  ج: ص:  >  >>