للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ خَالَفَهُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِهِ، وَبِذَلِكَ وَجَبَ الْخُلُودُ فِي النَّارِ عَلَى مَنْ لَمْ يُسْلِمْ، فَإِذْ كُلُّ كَافِرٍ فَمُلْزَمٌ دِينَ الْإِسْلَامِ، وَمَأْمُورٌ بِهِ، فَحُكْمُهُ لَازِمٌ لَهُمْ، وَشَرَائِعُهُ كَذَلِكَ، إلَّا أَنَّ مِنْهَا مَا لَا يُقْبَلُ مِنْهُمْ حَتَّى يُسْلِمُوا، كَالصَّلَاةِ هِيَ فَرْضٌ عَلَى الْجُنُبِ، وَغَيْرُ الْمُتَوَضِّئِ، إلَّا أَنَّهَا لَا تُقْبَلُ مِنْهُمَا إلَّا حَتَّى يَغْتَسِلَ الْجُنُبُ وَيَتَوَضَّأَ الْمُحْدِثُ.

وَأَمَّا قَوْلُنَا: لَا يَصُومُ عَنْ الْكَافِرِ وَلِيُّهُ بِخِلَافِ الْمُسْلِمِ يَمُوتُ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصُومُ الْوَلِيُّ إلَّا مَا لَوْ صَامَهُ الْمَيِّتُ لَأَجْزَأَهُ، وَلَيْسَ هَذَا صِفَةَ الْكَافِرِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

[مَسْأَلَةٌ قَتَلَ مُؤْمِنًا عَمْدًا وَهُوَ يَدْرِي أَنَّهُ مُسْلِمٌ]

٢٠٢٧ - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا عَمْدًا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ أَوْ فِي دَارِ الْحَرْبِ - وَهُوَ يَدْرِي أَنَّهُ مُسْلِمٌ - فَوَلِيُّ الْمَقْتُولِ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ قَتَلَهُ بِمِثْلِ مَا قَتَلَ هُوَ بِهِ وَلِيَّهُ: مِنْ ضَرْبٍ، أَوْ طَعْنٍ، أَوْ رَمْيٍ، أَوْ صَبٍّ مِنْ حَالِقٍ، أَوْ تَحْرِيقٍ أَوْ تَغْرِيقٍ، أَوْ شَدْخٍ، أَوْ إجَاعَةٍ أَوْ تَعْطِيشٍ، أَوْ خَنْقٍ أَوْ غَمٍّ، أَوْ وَطْءِ فَرَسٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ - لَا تُحَاشَ شَيْئًا.

وَإِنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ - أَحَبَّ الْقَاتِلُ أَمْ كَرِهَ - لَا رَأْيَ لَهُ فِي ذَلِكَ، وَلَيْسَ عَفْوُ الْوَلِيِّ عَنْ الْقَوَدِ وَسُكُوتُهُ عَنْ ذِكْرِ الدِّيَةِ بِذَلِكَ بِمُسْقِطٍ لِلدِّيَةِ، بَلْ هِيَ وَاجِبَةٌ لِلْوَلِيِّ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْهَا، إلَّا أَنْ يَلْفِظَ بِالْعَفْوِ عَنْ الدِّيَةِ أَيْضًا.

وَإِنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ بِمَا يَتَّفِقَانِ عَلَيْهِ، فَهَاهُنَا خَاصَّةً إنْ لَمْ يُرْضِهِ الْقَاتِلُ لَمْ يَلْزَمْهُ، وَيَكُونُ لِلْوَلِيِّ الْقَوَدُ، أَوْ الدِّيَةُ، فَإِنْ أَبَى الْوَلِيُّ إلَّا أَكْثَرَ مِنْ الدِّيَةِ لَمْ يَلْزَمْ الْقَاتِلَ أَنْ يَزِيدَهُ عَلَى الدِّيَةِ وَبَرَةً فَمَا فَوْقَهَا.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا -:

فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَيْسَ لِوَلِيِّ الْمَقْتُولِ إلَّا الْقَوَدُ فَقَطْ، أَوْ الْعَفْوُ، وَلَا تَجِبُ لَهُ الدِّيَةُ إلَّا بِرِضَا الْقَاتِلِ، فَإِنْ أَبَى الْوَلِيُّ إلَّا أَكْثَرَ مِنْ الدِّيَةِ - وَلَوْ أَضْعَافًا كَثِيرَةً فَإِنْ رَضِيَ بِذَلِكَ الْقَاتِلُ جَازَ ذَلِكَ، وَإِلَّا فَلَا - صَحَّ هَذَا الْقَوْلُ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، وَعَنْ أَبِي الزِّنَادِ - وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَمَالِكٍ، وَابْنِ شُبْرُمَةَ، وَالْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ، وَأَصْحَابِهِمْ.

وَصَحَّ قَوْلُنَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ أَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ أَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: ١٧٨] قَالَ: كَانَ فِي بَنِي إسْرَائِيلَ الْقَوَدُ، وَلَمْ تَكُنْ فِيهِمْ الدِّيَةُ، قَالَ: فَالْعَفْوُ -: أَنْ يَقْبَلَ الدِّيَةَ فِي الْعَمْدِ يَطْلُبُ بِمَعْرُوفٍ، وَيُؤَدِّي بِإِحْسَانٍ.

<<  <  ج: ص:  >  >>