رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَأَتَصَدَّقُ مِنْ مَالِ مَوَالِيَّ شَيْئًا؟ قَالَ: نَعَمْ، وَالْأَجْرُ بَيْنَكُمَا نِصْفَانِ» قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَا يَخْلُو مَالُ الْعَبْدِ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَهُ كَمَا نَقُولُ نَحْنُ، أَوْ يَكُونَ لِسَيِّدِهِ كَمَا يَقُولُونَ، فَإِنْ كَانَ مَالٌ فَصَدَقَةُ الْمَرْءِ مِنْ مَالِهِ فِعْلٌ حَسَنٌ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ لِسَيِّدِهِ فَهَذَا نَصٌّ جَلِيٌّ بِإِبَاحَةِ الصَّدَقَةِ لَهُ مِنْهُ - فَلْيُعْضَدُوا بِالْجَنْدَلِ.
وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ قَوْله تَعَالَى: {عَبْدًا مَمْلُوكًا لا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ} [النحل: ٧٥] لَيْسَ بِضَرُورَةِ الْعَقْلِ وَالْحِسِّ فِي كُلِّ مَمْلُوكٍ؛ لِأَنَّنَا نَرَاهُمْ لَا يَعْجِزُونَ عَنْ شَيْءٍ مِمَّا يَعْجِزُ عَنْهُ الْحُرُّ - فَصَحَّ أَنَّهُ تَعَالَى إنَّمَا عَنَى بَعْضَ الْعَبِيدِ مِمَّنْ هَذِهِ صِفَتُهُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ} [النحل: ٧٦] وَلَيْسَ كُلُّ أَبْكَمَ كَذَلِكَ، فَصَحَّ أَنَّهُ تَعَالَى أَرَادَ مِنْ الْبُكْمِ مَنْ هَذِهِ صِفَتُهُ - وَيَلْزَمُهُمْ عَلَى هَذَا أَنْ يُسْقِطُوا عَنْهُ الصَّلَاةَ، وَالْوُضُوءَ وَالْغُسْلَ، وَالصِّيَامَ، إذَا كَانَ عِنْدَهُمْ لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ.
فَإِنْ قَالُوا: هَذِهِ أَعْمَالُ أَبَدَانً.
قُلْنَا: قَدْ تَرَكْتُمْ احْتِجَاجَكُمْ بِظَاهِرِ الْآيَةِ بَعْدُ وَأَتَيْتُمْ بِدَعْوَى فِي الْفَرْقِ بَيْنَ أَعْمَالِ الْأَبَدَانِ وَأَعْمَالِ الْأَمْوَالِ بِلَا بُرْهَانٍ وَالْحَجُّ عَمَلُ بَدَنٍ فَأَلْزِمُوهُ إيَّاهُ. فَإِنْ قَالُوا: قَدْ يُجْبَرُ بِالْمَالِ. قُلْنَا فَأَسْقِطُوا عَنْهُ الصَّوْمَ بِهَذَا الدَّلِيلِ السَّخِيفِ؛ لِأَنَّهُ يُجْبَرُ بِالْمَالِ مِنْ عِتْقِ الْمُكَفِّرِ وَإِطْعَامِهِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
[الْإِبَاحَةُ]
[مَسْأَلَةٌ الْإِبَاحَةُ فِي الْمَجْهُولِ]
الْإِبَاحَةُ ١٦٤٧ - مَسْأَلَةٌ: وَالْإِبَاحَةُ جَائِزَةٌ فِي الْمَجْهُولِ، بِخِلَافِ الْعَطِيَّةِ، وَالْهَدِيَّةِ وَالصَّدَقَةِ، وَالْعُمْرَى، وَالرُّقْبَى، وَالْحَبْسُ، وَغَيْرُ ذَلِكَ، وَذَلِكَ كَطَعَامٍ يُدْعَى إلَيْهِ قَوْمٌ يُبَاحُ لَهُمْ أَكْلُهُ، وَلَا يُدْرَى كَمْ يَأْكُلُ كُلُّ وَاحِدٍ.
وَهَذَا مَنْصُوصٌ مِنْ عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَمْرُهُ بِإِجَابَةِ الدَّعْوَةِ وَالْأَكْلِ فِيهَا وَكَأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ شَاءَ أَنْ يَقْتَطِعَ إذْ نَحَرَ الْهَدْيَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute