للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَأَمَّا الْفِئَتَانِ الْبَاغِيَتَانِ مَعًا فَلَا يَحِلُّ لِلْمُسْلِمِينَ إلَّا مَنْعُهُمَا وَقِتَالُهُمْ جَمِيعًا؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بَاغِيَةٌ عَلَى الْأُخْرَى، فَمَنْ عَجَزَ عَنْ ذَلِكَ وَسِعَتْهُ التَّقِيَّةُ وَأَنْ يَلْزَمَ مَنْزِلَهُ، وَمَسْجِدَهُ، وَمَعَاشَهُ، وَلَا مَزِيدَ، وَكِلَاهُمَا لَا يَدْعُو إلَى الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ.

بُرْهَانُ ذَلِكَ: مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ ني عَمْرٌو النَّاقِدُ نا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ: سَمِعْت أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ أَشَارَ إلَى أَخِيهِ بِحَدِيدَةٍ فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَلْعَنُهُ، وَحَتَّى إنْ كَانَ أَخَاهُ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ» وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ نا مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ قَالَ: هَذَا مَا نا أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرَ أَحَادِيثَ: مِنْهَا: وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - «لَا يُشِرْ أَحَدُكُمْ إلَى أَخِيهِ بِالسِّلَاحِ فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي أَحَدُكُمْ لَعَلَّ الشَّيْطَانَ يَنْزِغُ فِي يَدِهِ فَيَقَعُ فِي حُفْرَةٍ مِنْ النَّارِ» .

وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ نا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ نا أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيُّ عَنْ شُعْبَةَ أَخْبَرَنِي مَنْصُورٌ - هُوَ ابْنُ الْمُعْتَمِرِ - قَالَ: سَمِعْت رِبْعِيًّا - هُوَ ابْنُ حِرَاشٍ - يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - «إذَا أَشَارَ الْمُسْلِمُ عَلَى أَخِيهِ بِالسِّلَاحِ فَهُمَا عَلَى حَرْفِ جَهَنَّمَ فَإِذَا قَتَلَهُ خَرَّا فِيهَا جَمِيعًا» .

فَهَذِهِ صِفَةُ الطَّائِفَتَيْنِ إذَا كَانَتَا بَاغِيَتَيْنِ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَا مَعًا عَادِلَتَيْنِ وَنَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى الْعَافِيَةَ.

وَإِنَّمَا قُلْنَا: أَنْ يُقَادَ لِلْبَاغِي إذَا قُوتِلَ لِيَفِيءَ إلَى أَمْرِ اللَّهِ فَقَطْ، وَلَمْ نُحِلَّهُ بِغَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ، فَمَنْ قَتَلَ بَاغِيًا لِيَفِيءَ إلَى أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى فَقَدْ قَتَلَهُ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَكَذَلِكَ لَوْ قَطَعَ لَهُ عُضْوًا فِي الْحَرْبِ، أَوْ عَقَرَ تَحْتَهُ فَرَسًا، أَوْ أَفْسَدَ لَهُ لِبَاسًا فِي الْمُضَارَبَةِ، فَلَا ضَمَانَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَ كُلَّ ذَلِكَ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَمَنْ فَعَلَ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَقَدْ أَحْسَنَ، وَمَنْ أَحْسَنَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى {مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ} [التوبة: ٩١]

[مَسْأَلَةٌ أَحْكَامُ أَهْلِ الْبَغْيِ]

٢١٦١ - مَسْأَلَةٌ: أَحْكَامُ أَهْلِ الْبَغْيِ؟ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي أَحْكَامِ أَهْلِ الْبَغْيِ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابُهُ - حَاشَا

<<  <  ج: ص:  >  >>