للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الطَّحَاوِيَّ - أَنَّهُ مَا حَكَمَ بِهِ قَاضِي أَهْلِ الْبَغْيِ فَلَا يَجُوزُ لِقَاضِي أَهْلِ الْعَدْلِ أَنْ يُجِيزَ ذَلِكَ، وَلَا أَنْ يَقْبَلَ كِتَابَهُ قَالُوا: وَمَا أَخَذُوهُ مِنْ صَدَقَةٍ فَلَا يَأْخُذُهَا الْإِمَامُ ثَانِيَةً، لَكِنَّ الْأَفْضَلَ لِمَنْ أَخَذُوهَا مِنْهُ أَنْ يُؤَدِّيَهَا مَرَّةً أُخْرَى.

قَالُوا: وَأَمَّا مَنْ مَرَّ عَلَيْهِمْ مِنْ التُّجَّارِ فَعَشَّرُوهُ فَإِنَّ الْإِمَامَ يَأْخُذُهُ ثَانِيَةً مِنْ التُّجَّارِ.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَنْفُذُ كُلُّ قَضِيَّةٍ قَضَوْهَا إذَا وَافَقَتْ الْحَقَّ، وَيَجْزِي مَا أَخَذُوهُ مِنْ الزَّكَاةِ، وَمَا أَقَامُوا مِنْ الْحُدُودِ - وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ.

وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ - وَأَصْحَابُنَا لَا يَنْفُذُ شَيْءٌ مِنْ قَضَايَاهُمْ، وَلَا بُدَّ مِنْ إعَادَتِهَا وَلَا يُجْزِئُ مَا أَخَذُوهُ مِنْ الصَّدَقَاتِ، وَلَا مَا أَقَامُوا مِنْ الْحُدُودِ، وَلَا بُدَّ مِنْ أَخْذِ الصَّدَقَاتِ، وَمِنْ إقَامَةِ الْحُدُودِ ثَانِيَةً.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَلَمَّا اخْتَلَفُوا وَجَبَ أَنْ نَنْظُرَ فِي ذَلِكَ لِنَعْلَمَ الْحَقَّ فَنَتْبَعُهُ بِعَوْنِ اللَّهِ تَعَالَى.

فَنَظَرْنَا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، فَوَجَدْنَاهُمْ يَحْتَجُّونَ بِأَنْ قَالُوا: إنَّ أَخْذَ الصَّدَقَاتِ إنَّمَا جَاءَ التَّضْيِيعُ مِنْ قِبَلِ الْإِمَامِ فَقَدْ يَجِبُ عَلَيْهِ دَفْعُهُمْ، وَأَمَّا مَنْ مَرَّ عَلَيْهِمْ فَقَدْ عَرَّضَ مَالَهُ لِلتَّلَفِ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: مَا نَعْلَمُ لَهُمْ شُبْهَةً غَيْرً هَذَا وَهَذَا لَا شَيْءَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ نَصٌّ وَلَا إجْمَاعٌ بِأَنَّ تَضْيِيعَ الْإِمَامِ يُسْقِطُ الْحُقُوقَ الْوَاجِبَاتِ لِلَّهِ تَعَالَى وَأَيْضًا - فَكَمَا أَخَذُوا الْعُشْرَ ثَانِيَةً مِمَّنْ جَعَلُوا ذَنْبَهُ أَنَّهُ عَرَّضَ مَالَهُ لِلتَّلَفِ فَكَذَلِكَ يَلْزَمُهُمْ أَنْ يَأْخُذُوا الزَّكَاةَ ثَانِيَةً، وَيَجْعَلُوا ذَنْبَ أَهْلِهَا أَنَّهُمْ عَرَّضُوا أَمْوَالَهُمْ لِلتَّلَفِ، فَقَدْ كَانَ يُمْكِنُهُمْ الْهَرَبُ عَنْ مَوْضِعِ الْبُغَاةِ، أَوْ يُعَذِّرُوا الْمُعَشِّرِينَ.

ثُمَّ نَظَرْنَا فِيمَا احْتَجَّ بِهِ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، فَوَجَدْنَاهُمْ يَقُولُونَ: إنَّهُمْ إذَا حَكَمُوا بِالْحَقِّ كَمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى؛ وَإِذَا أَخَذُوا الزَّكَاةَ كَمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى، وَأَقَامُوا الْحُدُودَ كَمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى، فَقَدْ تَأَدَّى كُلُّ ذَلِكَ كَمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى، وَإِذَا تَأَدَّى كَمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَامَ ذَلِكَ عَلَى أَهْلِهِ ثَانِيَةً، فَيَكُونُ ذَلِكَ ظُلْمًا.

وَقَالَ بَعْضُهُمْ: كَمَا لَا يُؤَاخَذُونَ بِمَا أَصَابُوا مِنْ دَمٍ أَوْ مَالٍ، فَكَذَلِكَ لَا يُؤَاخَذُونَ -

<<  <  ج: ص:  >  >>