للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَا بَقِيَ عَلَيْهِ، فَإِنْ خَرَجَ ذُو الْحِجَّةِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ فَقَدْ بَطَلَ حَجُّهُ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ فِي رُجُوعِهِ لِطَوَافِ الْوَدَاعِ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ النِّسَاءِ فَلِأَنَّ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ فَرْضٌ.

وَقَالَ - تَعَالَى -: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة: ١٩٧] وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهَا شَوَّالٌ، وَذُو الْقَعْدَةِ، وَذُو الْحِجَّةِ، فَإِذْ هُوَ كَذَلِكَ فَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَعْمَلَ شَيْئًا مِنْ أَعْمَالِ الْحَجِّ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ فَيَكُونَ مُخَالِفًا لِأَمْرِ اللَّهِ - تَعَالَى -.

وَأَمَّا امْتِنَاعُهُ مِنْ النِّسَاءِ فَلِقَوْلِ اللَّهِ - تَعَالَى -: {فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} [البقرة: ١٩٧] فَهُوَ مَا لَمْ يُتِمَّ فَرَائِضَ الْحَجِّ فَهُوَ فِي الْحَجِّ بَعْدُ.

وَأَمَّا رُجُوعُهُ لِطَوَافِ الْوَدَاعِ فَلَيْسَ هُوَ فِي حَجٍّ، وَلَا فِي عُمْرَةٍ فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُحْرِمَ، وَلَا أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ النِّسَاءِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - لَمْ يُوجِبْ ذَلِكَ، وَلَا رَسُولُ اللَّهِ، وَلَا إحْرَامَ إلَّا بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ - أَوْ لِطَوَافٍ مُجَرَّدٍ فَلَا.

[لَمْ يَرْمِ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ حَتَّى خَرَجَ ذُو الْحِجَّةِ أَوْ وَطِئَ عَمْدًا]

وَأَمَّا قَوْلُنَا: إنَّ مَنْ لَمْ يَرْمِ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ حَتَّى خَرَجَ ذُو الْحِجَّةِ، أَوْ حَتَّى وَطِئَ عَمْدًا فَحَجُّهُ بَاطِلٌ، فَلِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد السِّجِسْتَانِيِّ نَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ هُوَ الْجَهْضَمِيُّ - نَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ أَنَا خَالِدٌ هُوَ الْحَذَّاءُ - عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إنِّي أَمْسَيْتُ وَلَمْ أَرْمِ قَالَ: ارْمِ وَلَا حَرَجَ» فَأَمَرَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِالرَّمْيِ الْمَذْكُورِ، وَأَمْرُهُ فَرْضٌ، وَأَخْبَرَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّهُ لَا حَرَجَ فِي تَأْخِيرِهِ فَهُوَ بَاقٍ مَا دَامَ مِنْ أَشْهُرِ الْحَجِّ شَيْءٌ، وَلَا يُجْزِئُ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ؛ لِأَنَّهُ مِنْ فَرَائِضِ الْحَجِّ لِمَا ذَكَرْنَاهُ آنِفًا -: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ: إنْ ذَكَرَ، وَهُوَ بِمِنًى رَمَى، وَإِنْ فَاتَهُ ذَلِكَ حَتَّى يَنْفِرَ فَإِنَّهُ يَحُجُّ مِنْ قَابِلٍ وَيُحَافِظُ عَلَى الْمَنَاسِكِ.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَالْعَجَبُ كُلُّهُ مِمَّنْ يُبْطِلُ حَجَّ الْمُسْلِمِ بِأَنْ بَاشَرَ امْرَأَتَهُ حَتَّى أَمْنَى مِنْ غَيْرِ إيلَاجٍ، وَلَا نَهْيَ عَنْ ذَلِكَ أَصْلًا لَا فِي قُرْآنٍ، وَلَا فِي سُنَّةٍ، وَلَا جَاءَ بِإِبْطَالِ حَجَّةٍ بِذَلِكَ نَصٌّ، وَلَا إجْمَاعٌ، وَلَا قِيَاسٌ، ثُمَّ لَا يُبْطِلُ حَجَّهُ بِتَرْكِ رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ، وَتَرْكِ مُزْدَلِفَةَ، وَقَدْ صَحَّ الْأَمْرُ بِهِمَا فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ الثَّابِتَةِ.

[يُجْزِئُ الْقَارِنَ بَيْنَ طَوَافٌ وَاحِدٌ وَسَعْيٌ وَاحِدٌ]

وَأَمَّا قَوْلُنَا -: إنَّهُ يُجْزِئُ الْقَارِنَ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ طَوَافٌ وَاحِدٌ سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ لَهُمَا جَمِيعًا، وَسَعْيٌ وَاحِدٌ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ لَهُمَا جَمِيعًا، كَالْمُفْرِدِ سَوَاءٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>