عَائِشَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ: نَزَلَتْ {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: ١٨٤] مُتَتَابِعَاتٍ " فَسَقَطَتْ " مُتَتَابِعَاتٌ ". قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: سُقُوطُهَا مُسْقِطٌ لِحُكْمِهَا، لِأَنَّهُ لَا يَسْقُطُ الْقُرْآنُ بَعْدَ نُزُولِهِ إلَّا بِإِسْقَاطِ اللَّهِ تَعَالَى إيَّاهُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: ٩]
وَقَالَ تَعَالَى: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} [البقرة: ١٠٦]
وَقَالَ تَعَالَى: {سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسَى} [الأعلى: ٦] {إِلا مَا شَاءَ اللَّهُ} [الأعلى: ٧]
فَإِنْ قِيلَ: قَدْ يَسْقُطُ لَفْظُ الْآيَةِ وَيَبْقَى حُكْمُهَا كَمَا كَانَ فِي آيَةِ الرَّجْمِ. قُلْنَا: لَوْلَا إخْبَارُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِبَقَاءِ حُكْمِ الرَّجْمِ لَمَا جَازَ الْعَمَلُ بِهِ بَعْدَ إسْقَاطِ الْآيَةِ النَّازِلَةِ بِهِ لِأَنَّ مَا رَفَعَ اللَّهُ تَعَالَى فَلَا يَجُوزُ لَنَا إبْقَاءُ لَفْظِهِ وَلَا حُكْمِهِ إلَّا بِنَصٍّ آخَرَ.
[مَسْأَلَةٌ الْأَسِيرُ فِي دَارِ الْحَرْبِ إنْ عَرَفَ رَمَضَانَ]
٧٦٩ - مَسْأَلَةٌ: وَالْأَسِيرُ فِي دَارِ الْحَرْبِ إنْ عَرَفَ رَمَضَانَ لَزِمَهُ صِيَامُهُ إنْ كَانَ مُقِيمًا؛ لِأَنَّهُ مُخَاطَبٌ بِصَوْمِهِ فِي الْقُرْآنِ؛ فَإِنْ سُوفِرَ بِهِ أَفْطَرَ وَلَا بُدَّ لِأَنَّهُ عَلَى سَفَرٍ وَعَلَيْهِ قَضَاؤُهُ لِمَا ذُكِرَ قَبْلُ؛ فَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ الشَّهْرَ وَأَشْكَلَ عَلَيْهِ سَقَطَ عَنْهُ صِيَامُهُ وَلَزِمَتْهُ أَيَّامٌ أُخَرُ إنْ كَانَ مُسَافِرًا وَإِلَّا فَلَا. وَقَالَ قَوْمٌ: يَتَحَرَّى شَهْرًا وَيُجْزِئُهُ. وَقَالَ آخَرُونَ: إنْ وَافَقَ شَهْرًا قَبْلَ رَمَضَانَ لَمْ يُجْزِهِ، وَإِنْ وَافَقَ شَهْرًا بَعْدَ رَمَضَانَ أَجْزَأَهُ، لِأَنَّهُ يَكُونُ قَضَاءً عَنْ رَمَضَانَ.
قَالَ عَلِيٌّ: أَمَّا تَحَرِّي شَهْرٍ فَيُجَزِّئُهُ أَوْ يَجْعَلُهُ قَضَاءً فَحُكْمٌ لَمْ يَأْتِ بِهِ قُرْآنٌ، وَلَا سُنَّةٌ صَحِيحَةٌ، وَلَا رِوَايَةٌ سَقِيمَةٌ، وَلَا إجْمَاعٌ، وَلَا قَوْلُ صَاحِبٍ، وَمَا كَانَ هَكَذَا فَهُوَ دَعْوَى فَاسِدَةٌ لَا بُرْهَانَ عَلَى صِحَّتِهَا. فَإِنْ قَالُوا: قِسْنَاهُ عَلَى مَنْ جَهِلَ الْقِبْلَةَ. قُلْنَا: هَذَا بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُوجِبْ التَّحَرِّيَ عَلَى مَنْ جَهِلَ الْقِبْلَةَ؛ بَلْ مَنْ جَهِلَهَا فَقَدْ سَقَطَ عَنْهُ فَرْضُهَا، فَيُصَلِّي كَيْفَ شَاءَ.
فَإِنْ قَالُوا: قِسْنَاهُ عَلَى مَنْ خَفِيَ عَلَيْهِ وَقْتُ الصَّلَاةِ. قُلْنَا: وَهَذَا بَاطِلٌ، أَيْضًا، لِأَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ صَلَاةٌ إلَّا حَتَّى يُوقِنَ بِدُخُولِ وَقْتِهَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute