وَكَذَلِكَ مَنْ عَرَضَ لَهُ شَيْءٌ مِمَّا ذَكَرْنَا فِي سَعْيِهِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَلَا فَرْقَ - وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ.
وَقَالَ مَالِكٌ: أَمَّا فِي الطَّوَافِ الْوَاجِبِ فَيَبْتَدِئُ وَلَا بُدَّ إلَّا فِي الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ فَقَطْ، فَإِنَّهُ يُصَلِّيهَا ثُمَّ يَبْنِي؛ وَأَمَّا فِي طَوَافِ التَّطَوُّعِ فَيَبْنِي فِي كُلِّ ذَلِكَ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا تَقْسِيمٌ لَا بُرْهَانَ عَلَى صِحَّتِهِ أَصْلًا، وَلَمْ يَأْتِ نَصٌّ وَلَا إجْمَاعٌ عَلَى وُجُوبِ ابْتِدَاءِ الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ إنْ قَطَعَ لِحَاجَةٍ، وَلَا بِإِبْطَالِ مَا طَافَ مِنْ أَشْوَاطِهِ وَسَعَى، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: ٣٣] وَإِنَّمَا افْتَرَضَ الطَّوَافَ وَالسَّعْيَ سَبْعًا، وَلَمْ يَأْتِ نَصٌّ بِوُجُوبِ اتِّصَالِهِ وَإِنَّمَا هُوَ عَمَلٌ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَطْ، وَأَمَّا مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ عَبَثًا فَلَا عَمَلَ لِعَابِثٍ وَلَا يُجْزِئُهُ -: نَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نُبَاتٍ نَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْبَصِيرِ نَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ نَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْخُشَنِيُّ نَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى نَا مُؤَمَّلُ بْنُ إسْمَاعِيلَ الْحِمْيَرِيُّ نَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ نَا جَمِيلُ بْنُ زَيْدٍ قَالَ: رَأَيْت ابْنَ عُمَرَ طَافَ فِي يَوْمٍ حَارٍّ ثَلَاثَةَ أَطْوَافٍ، ثُمَّ أَصَابَهُ حَرٌّ فَدَخَلَ الْحِجْرَ فَجَلَسَ، ثُمَّ خَرَجَ فَبَنَى عَلَى مَا كَانَ طَافَ.
وَعَنْ عَطَاءٍ: لَا بَأْسَ بِأَنْ يَجْلِسَ الْإِنْسَانُ فِي الطَّوَافِ لِيَسْتَرِيحَ وَفِيمَنْ عَرَضَتْ لَهُ حَاجَةٌ فِي طَوَافِهِ لِيَذْهَبَ وَلِيَقْضِ حَاجَتَهُ، ثُمَّ يَبْنِي عَلَى مَا كَانَ طَافَ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
[مَسْأَلَةٌ مَنْ عَرَضَ لَهُ مَا يَمْنَعُهُ مِنْ إتْمَامِ حَجِّهِ أَوْ عُمْرَتِهِ]
٨٧٣ - مَسْأَلَةٌ:
وَأَمَّا الْإِحْصَارُ فَإِنَّ كُلَّ مَنْ عَرَضَ لَهُ مَا يَمْنَعُهُ مِنْ إتْمَامِ حَجِّهِ أَوْ عُمْرَتِهِ، قَارِنًا كَانَ، أَوْ مُتَمَتِّعًا، مِنْ عَدُوٍّ، أَوْ مَرَضٍ، أَوْ كَسْرٍ، أَوْ خَطَأِ طَرِيقٍ، أَوْ خَطَأٍ فِي رُؤْيَةِ الْهِلَالِ، أَوْ سِجْنٍ، أَوْ أَيِّ شَيْءٍ كَانَ: فَهُوَ مُحْصِرٌ.
فَإِنْ كَانَ اشْتَرَطَ عِنْدَ إحْرَامِهِ كَمَا قَدَّمْنَا أَنَّ مَحَلَّهُ حَيْثُ حَبَسَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَلْيُحِلَّ مِنْ إحْرَامِهِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، سَوَاءٌ شَرَعَ فِي عَمَلِ الْحَجِّ، أَوْ الْعُمْرَةِ، أَوْ لَمْ يَشْرَعْ بَعْدُ، قَرِيبًا كَانَ أَوْ بَعِيدًا، مَضَى لَهُ أَكْثَرُ فَرْضِهِمَا أَوْ أَقَلُّهُ، كُلُّ ذَلِكَ سَوَاءٌ وَلَا هَدْيَ فِي ذَلِكَ وَلَا غَيْرِهِ، وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَمْ يَحُجَّ قَطُّ وَلَا اعْتَمَرَ، فَعَلَيْهِ أَنْ يَحُجَّ وَيَعْتَمِرَ وَلَا بُدَّ.
فَإِنْ كَانَ لَمْ يَشْتَرِطْ كَمَا ذَكَرْنَا فَإِنَّهُ يُحِلُّ أَيْضًا كَمَا ذَكَرْنَا سَوَاءٌ سَوَاءٌ وَلَا فَرْقَ، وَعَلَيْهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute