للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[مَسْأَلَة التأني فِي أنفاذ الْحُكْمِ إذَا ظَهْرِ]

مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَحِلُّ التَّأَنِّي فِي إنْفَاذِ الْحُكْمِ إذَا ظَهَرَ - وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابِنَا.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إذَا طَمِعَ الْقَاضِي أَنْ يَصْطَلِحَ الْخَصْمَانِ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَرُدَّهُمَا الْمَرَّةَ وَالْمَرَّتَيْنِ، فَإِنْ لَمْ يَطْمَعْ فِي ذَلِكَ فَصَلَ الْقَضَاءَ.

وَقَالَ مَالِكٌ: لَا بَأْسَ بِتَرْدِيدِ الْخُصُومِ، ثُمَّ رَأَى أَنْ يُجْعَلَ لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ أَوْ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً غَائِبَةً: أَجَلٌ ثَمَانِيَةُ أَيَّامٍ، ثُمَّ ثَمَانِيَةُ أَيَّامٍ، ثُمَّ ثَمَانِيَةُ أَيَّامٍ، ثُمَّ تَلْزَمُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ، فَذَلِكَ ثَلَاثُونَ يَوْمًا - لَا يُعَدُّ فِي الثَّمَانِيَةِ يَوْمُ تَأْجِيلِ الْحَاكِمِ.

قَالَ عَلِيٌّ: أَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ فَفَاسِدٌ؛ لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ تَرْدِيدِ مَرَّتَيْنِ وَتَرْدِيدِ ثَلَاثِ مِرَارٍ أَوْ أَرْبَعٍ، وَهَكَذَا مَا زَادَ إلَى انْقِضَاءِ الْعُمْرِ، وَإِلَّا فَ {هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة: ١١١] .

وَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ - فَمَا نَعْلَمُ أَحَدًا قَالَهُ قَبْلَهُ مَعَ عَظِيمِ فَسَادِهِ، لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ تَأْجِيلِ ثَلَاثِينَ يَوْمًا، وَبَيْنَ تَأْجِيلِ شَهْرَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ أَوْ أَرْبَعَةٍ، أَوْ عَامٍ، أَوْ عَامَيْنِ، أَوْ أَرْبَعَةِ أَعْوَامٍ - وَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ مَنْ ادَّعَى بَيِّنَةً عَلَى نِصْفِ شَهْرٍ وَبَيْنَ مَنْ ادَّعَاهَا بِخُرَاسَانَ، وَهُوَ بِالْأَنْدَلُسِ أَوْ ادَّعَاهَا بِالْأَنْدَلُسِ، وَهُوَ بِخُرَاسَانَ، وَهَلْ هُوَ إلَّا التَّحَكُّمُ بِالْبَاطِلِ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَاحْتَجَّ بَعْضُهُمْ بِالرِّوَايَةِ عَنْ عُمَرَ: رَدِّدُوا الْخُصُومَ حَتَّى يَصْطَلِحُوا فَإِنَّ فَصْلَ الْقَضَاءِ يُورِثُ الضَّغَائِنَ.

قَالَ عَلِيٌّ: هَذَا لَا يَصِحُّ عَنْ عُمَرَ؛ لِأَنَّ أَحْسَنَ طُرُقِهِ: مُحَارِبُ بْنُ دِثَارٍ أَنَّ عُمَرَ - وَمُحَارِبٌ لَمْ يُدْرِكْ عُمَرَ -.

ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمَا كَانَ فِيهِ حُجَّةٌ؛ لِأَنَّهُ لَا حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَعَاذَ اللَّهِ أَنْ يَصِحَّ هَذَا عَنْ عُمَرَ؛ لِأَنَّ فِيهِ الْمَنْعَ جُمْلَةً مِنْ إنْفَاذِ الْحَقِّ؛ لِأَنَّ عِلَّةَ تَوْرِيثِ الضَّغَائِنِ مَوْجُودَةٌ فِي ذَلِكَ أَبَدًا، فَإِنْ وَجَبَ أَنْ يُرَاعَى وَجَبَ ذَلِكَ أَبَدًا، وَإِنْ لَمْ يَجِبْ أَنْ يُرَاعَى فَلَا يَجِبُ ذَلِكَ طَرْفَةَ عَيْنٍ، وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَقَدْ خَالَفُوهُ، لِأَنَّهُ لَمْ يَحُدَّ شَهْرًا وَلَا شَهْرَيْنِ.

وَفِي الرِّسَالَةِ الْمَكْذُوبَةِ عَنْ عُمَرَ: اجْعَلْ لِمَنْ ادَّعَى حَقًّا غَائِبًا أَوْ بَيِّنَةً أَمَدًا يَنْتَهِي إلَيْهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>