وَأَمَّا الْمَرِيضُ وَالْجَاهِلُ وَالْخَائِفُ وَالْمُكْرَهُ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: ٢٨٦] . وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ.»
[مَسْأَلَةٌ الْجَاهِل بِالْقِبْلَةِ يُصَدِّق مَنْ أَخْبَرَهُ مِنْ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ]
٣٥٢ - مَسْأَلَةٌ: وَيَلْزَمُ الْجَاهِلَ أَنْ يُصَدِّقَ فِي جِهَةِ الْقِبْلَةِ مَنْ أَخْبَرَهُ مِنْ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ إذَا كَانَ يَعْرِفُهُ بِالصِّدْقِ؛ لِأَنَّ هَذَا لَا سَبِيلَ لِمَنْ غَابَ عَنْ مَوْضِعِ الْقِبْلَةِ إلَى مَعْرِفَةِ جِهَتِهَا إلَّا بِالْخَبَرِ؛ وَلَا يُمْكِنُ غَيْرُ ذَلِكَ. نَعَمْ، وَمَنْ كَانَ حَاضِرًا فِيهَا فَإِنَّهُ لَا يَعْرِفُ أَنَّ هَذِهِ هِيَ الْكَعْبَةُ إلَّا بِالْخَبَرِ وَلَا بُدَّ؛ وَهَذَا مِنْ الشَّرِيعَةِ الَّتِي قَدْ ذَكَرْنَا الْبُرْهَانَ عَلَى وُجُوبِ قَبُولِ خَبَرِ الْوَاحِدِ الْعَدْلِ فِيهَا.
[مَسْأَلَةٌ صَلَّى إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ مِمَّنْ يَقْدِرُ عَلَى مَعْرِفَةِ جِهَتِهَا]
٣٥٣ - مَسْأَلَةٌ: فَمَنْ صَلَّى إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ مِمَّنْ يَقْدِرُ عَلَى مَعْرِفَةِ جِهَتِهَا - عَامِدًا أَوْ نَاسِيًا - بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَيُعِيدُ مَا كَانَ فِي الْوَقْتِ، إنْ كَانَ عَامِدًا، وَيُعِيدُ أَبَدًا إنْ كَانَ نَاسِيًا بُرْهَانُ ذَلِكَ -: أَنَّ هَذَيْنِ مُخَاطَبَانِ بِالتَّوَجُّهِ إلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فِي الصَّلَاةِ؛ فَصَلَّيَا بِخِلَافِ مَا أُمِرَا بِهِ، وَلَا يُجْزِئُ مَا نَهَى اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ عَمَّا أَمَرَ عَزَّ وَجَلَّ بِهِ، فَقَدْ ذَكَرْنَا الْحُجَّةَ فِي أَمْرِ النَّاسِي قَبْلُ فَإِنْ ذَكَرَ ذَاكِرٌ: حَدِيثَ أَهْلِ قُبَاءَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَأَنَّهُمْ ابْتَدَءُوا الصَّلَاةَ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَأَتَاهُمْ الْخَبَرُ: بِأَنَّ الْقِبْلَةَ قَدْ حُوِّلَتْ إلَى الْكَعْبَةِ فَاسْتَدَارُوا - كَمَا كَانُوا فِي صَلَاتِهِمْ - إلَى الْكَعْبَةِ، وَاجْتَزَءُوا بِمَا صَلَّوْا إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ مِنْ تِلْكَ الصَّلَاةِ بِعَيْنِهَا. قُلْنَا: هَذَا خَبَرٌ صَحِيحٌ، وَلَا حُجَّةَ فِيهِ عَلَيْنَا؛ وَلَا نُخَالِفُهُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ -: أَوَّلُ ذَلِكَ - أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلِمَ ذَلِكَ فَأَقَرَّهُ، وَلَا حُجَّةَ إلَّا فِي الْقُرْآنِ، أَوْ فِي كَلَامِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. أَوْ فِي عَمَلِهِ أَوْ فِيمَا عَلِمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مِنْ عَمَلِ غَيْرِهِ فَلَمْ يُنْكِرْهُ، وَإِنَّمَا الْعَجَبُ مِنْ الْمَالِكِيِّينَ الَّذِينَ يُعَظِّمُونَ خِلَافَ الصَّاحِبِ إذَا وَافَقَ تَقْلِيدَهُمْ؛ ثُمَّ قَدْ خَالَفُوا هَهُنَا عَمَلَ طَائِفَةٍ عَظِيمَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - لَا يُعْرَفُ لَهُمْ مِنْهُمْ مُخَالِفٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute