قَالَ عَلِيٌّ: أَهْلُ قُبَاءَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - كَانَ الْفَرْضُ عَلَيْهِمْ أَنْ يُصَلُّوا إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ؛ فَلَوْ أَنَّهُمْ صَلَّوْا إلَى الْكَعْبَةِ: لَبَطَلَتْ صَلَاتُهُمْ بِلَا خِلَافٍ. وَلَا تَلْزَمُ الشَّرِيعَةُ إلَّا مَنْ بَلَغَتْهُ، لَا مَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {لأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ} [الأنعام: ١٩] . وَلَا شَكَّ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ، وَلَا الْمَلَائِكَةِ: أَنَّ مَنْ كَانَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ، أَوْ بِمَكَّةَ مِنْ الْمُسْتَضْعَفِينَ فَإِنَّهُمْ تَمَادَوْا عَلَى الصَّلَاةِ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ مُدَّةً طَوِيلَةً -: أَمَّا أَهْلُ مَكَّةَ فَأَيَّامًا كَثِيرَةً بَعْدَ نُزُولِ تَحْوِيلِ الْقِبْلَةِ. وَأَمَّا مَنْ بِالْحَبَشَةِ: فَلَعَلَّهُمْ صَلَّوْا عَامًا أَوْ أَعْوَامًا حَتَّى بَلَغَهُمْ تَحْوِيلُ الْقِبْلَةِ؛ فَحِينَئِذٍ لَزِمَهُمْ الْفَرْضُ، لَا قَبْلَ ذَلِكَ، فَإِنَّمَا لَزِمَ أَهْلَ قُبَاءَ التَّحَوُّلُ حِينَ بَلَغَهُمْ لَا قَبْلَ ذَلِكَ فَانْتَقَلُوا عَنْ فَرْضِهِمْ إلَى فَرْضٍ نَاسِخٍ لَمَا كَانُوا عَلَيْهِ؛ وَهَذَا هُوَ الْحَقُّ الَّذِي لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ غَيْرِهِ، وَأَمَّا مَنْ بَلَغَهُ فَرْضُ تَحْوِيلِ الْكَعْبَةِ وَعِلْمِهِ وَكَانَ مُخَاطَبًا بِهِ وَلَمْ يَسْقُطْ تَكْلِيفُهُ عَنْهُ لِعُذْرٍ مَانِعٍ -: فَلَمْ يُصَلِّ كَمَا أُمِرَ وَمَنْ لَمْ يُصَلِّ كَمَا أُمِرَ فَلَمْ يُصَلِّ؛ لِأَنَّهُ لَا يُجْزِئُ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ عَمَّا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: مَنْ صَلَّى فِي غَيْرِ مَكَّةَ إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ مُجْتَهِدًا وَلَمْ يَعْلَمْ إلَّا بَعْدَ أَنْ سَلَّمَ أَجْزَأَتْهُ صَلَاتُهُ. فَإِنْ صَلَّى فِي ظُلْمَةٍ مُتَحَرِّيًا وَلَمْ يَسْأَلْ مَنْ بِحَضْرَتِهِ، ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ صَلَّى إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ: أَعَادَ - وَهُوَ فَرْقٌ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ التَّحَرِّيَ نَوْعٌ مِنْ الِاجْتِهَادِ، وَقَالَ مَالِكٌ: مَنْ عَلِمَ أَنَّهُ صَلَّى إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ؛ فَإِنْ كَانَ مُسْتَدْبِرًا لَهَا: أَعَادَ، وَإِنْ كَانَ فِي الصَّلَاةِ: قَطَعَ وَابْتَدَأَ. وَإِنْ كَانَ مُنْحَرِفًا إلَى شَرْقٍ أَوْ غَرْبٍ: لَمْ يُعِدْ، وَبَنَى عَلَى مَا صَلَّى وَانْحَرَفَ وَهَذَا فَرْقٌ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ الْأُمَّةِ فِي تَعَمُّدِ الِانْحِرَافِ عَنْ الْقِبْلَةِ أَنَّهُ مُبْطِلٌ لِلصَّلَاةِ، وَكَبِيرَةٌ مِنْ الْكَبَائِرِ كَالِاسْتِدْبَارِ لَهَا وَلَا فَرْقَ، وَأَهْلُ قُبَاءَ كَانُوا مُسْتَدْبِرِينَ إلَى الْقِبْلَةِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute