قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا لَا شَيْءَ لِأَنَّهَا صَحِيفَةٌ وَمُرْسَلٌ، وَلَوْ صَحَّ لَكَانَ فِي أَمْرِ بَدْرٍ وَقَدْ قُلْنَا: إنَّ الْقَضَاءَ بِالسَّلَبِ لِلْقَاتِلِ كَانَ فِي حُنَيْنٍ بَعْدَ ذَلِكَ بِأَعْوَامٍ سِتَّةٍ أَوْ نَحْوِهَا.
ثُمَّ مَوَّهُوا بِقِيَاسَاتٍ سَخِيفَةٍ كُلُّهَا لَازِمٌ لَهُمْ وَغَيْرُ لَازِمٍ لَنَا. مِنْهَا: أَنْ قَالُوا: لَمَّا كَانَ الْغَانِمُ لَيْسَ أَحَقَّ بِمَا غَنِمَ كَانَ الْقَاتِلُ فِي السَّلَبِ كَذَلِكَ؛ وَلَوْ كَانَ السَّلَبُ حَقًّا لِلْقَاتِلِ لَكَانَتْ الْأَسْلَابُ - إذَا لَمْ يُعْرَفْ قَاتِلُو أَهْلِهَا - مُوقَفَةً كَاللُّقَطَةِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: الْقِيَاسُ بَاطِلٌ، وَإِنَّمَا يَلْزَمُ الْقِيَاسُ مَنْ صَحَّحَهُ، وَهُمْ يُصَحِّحُونَهُ فَهُوَ لَهُمْ لَازِمٌ فَلْيُبْطِلُوا بِهَاتَيْنِ الْأُحْمُوقَتَيْنِ قَوْلَهُمْ: [إنَّ السَّلَبَ] لِلْقَاتِلِ إذَا قَالَ الْإِمَامُ [قَبْلَ الْقِتَالِ] : مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ - فَهَذَا يَلْزَمُهُمْ إذْ عَدَلُوا هَذَا الْإِلْزَامَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ. وَأَمَّا نَحْنُ فَنَقُولُ: إنَّ كُلَّ مَالٍ لَا يُعْرَفُ صَاحِبُهُ فَهُوَ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ، وَكُلُّ سَلَبٍ لَا تَقُومُ لَقَاتَلَهُ بَيِّنَةٌ فَهُوَ فِي جُمْلَةِ الْغَنِيمَةِ بِحُكْمِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَنَصِّ قَوْلِهِ لَا نَتَعَدَّاهُ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَيَكْفِي مِنْ هَذَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب: ٣٦] وَقَدْ قَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ السَّلَبَ لِلْقَاتِلِ إذَا قَامَتْ لَهُ بَيِّنَةٌ، فَإِنْ كَانَتْ طَاعَتُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَاجِبَةً فَالسَّلَبُ حَقٌّ لِلْقَاتِلِ مَتَى قَامَتْ لَهُ بِهِ بَيِّنَةٌ وَلَا خِيرَةَ لِأَحَدٍ - لَا إمَامٍ وَلَا غَيْرِهِ - فِي خِلَافِ ذَلِكَ، لِنَصِّ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى، وَإِنْ كَانَتْ طَاعَتُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَيْسَتْ وَاجِبَةً فَهَذَا كُفْرٌ مِنْ قَائِلِهِ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ السَّلَبُ مِنْ حَقِّ الْقَاتِلِ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: إنَّهُ لَهُ إذَا قَامَتْ لَهُ بِهِ بَيِّنَةٌ، فَمِنْ أَيْنَ خَرَجَ لَهُمْ؟ وَأَيْنَ وَجَدُوا مَا يُوجِبُ قَوْلَهُمْ الْفَاسِدَ؟ : فِي أَنَّ الْإِمَامَ إذَا قَالَ: مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ. كَانَ السَّلَبُ حِينَئِذٍ لِلْقَاتِلِ، وَلَا نُعْمَى عَيْنٍ لِلْإِمَامِ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ تَحْرِيمًا أَوْ إيجَابًا.
فَظَهَرَ فَسَادُ قَوْلِهِمْ جُمْلَةً وَتَعَرِّيه مِنْ الدَّلِيلِ، وَهُوَ قَوْلٌ لَمْ يُحْفَظْ قَطُّ قَبْلَهُمْ لَا عَنْ صَاحِبٍ، وَلَا عَنْ تَابِعٍ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
[مَسْأَلَةٌ تنفيل الْإِمَام مِنْ رَأْسِ الْغَنِيمَةِ بَعْدَ الْخُمُسِ وَقَبْلَ الْقِسْمَةِ]
٩٥٦ - مَسْأَلَةٌ:
وَإِنْ نَفَّلَ الْإِمَامُ مِنْ رَأْسِ الْغَنِيمَةِ - بَعْدَ الْخُمُسِ وَقَبْلَ الْقِسْمَةِ - مَنْ رَأَى أَنْ يُنَفِّلَهُ مِمَّنْ أَغْنَى عَنْ الْمُسْلِمِينَ، وَمِمَّنْ مَعَهُ مِنْ النِّسَاءِ اللَّوَاتِي يَنْتَفِعُ بِهِنَّ أَهْلُ الْجَيْشِ، وَمَنْ قَاتَلَ مِمَّنْ لَمْ يَبْلُغْ: فَحَسَنٌ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute