النِّسَاءَ إذَا اغْتَسَلْنَ أَنْ يَنْقُضْنَ رُءُوسَهُنَّ فَقَالَتْ: يَا عَجَبًا لِابْنِ عَمْرٍو هَذَا يَأْمُرُ النِّسَاءَ إذَا اغْتَسَلْنَ أَنْ يَنْقُضْنَ رُءُوسَهُنَّ. أَوَلَا يَأْمُرُهُنَّ أَنْ يَحْلِقْنَ رُءُوسَهُنَّ؟ لَقَدْ كُنْتُ أَغْتَسِلُ أَنَا وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ إنَاءٍ وَاحِدٍ، وَمَا أَزِيدُ عَلَى أَنْ أُفْرِغَ عَلَى رَأْسِي ثَلَاثَ إفْرَاغَاتٍ» .
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا لَا حُجَّةَ عَلَيْنَا فِيهِ لِوُجُوهٍ:
أَحَدُهَا أَنَّ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - لَمْ تَعْنِ بِهَذَا إلَّا غُسْلَ الْجَنَابَةِ فَقَطْ وَهَكَذَا نَقُولُ، وَبَيَانُ ذَلِكَ إحَالَتُهَا فِي آخِرِ الْحَدِيثِ عَلَى غُسْلِهَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ إنَاءٍ وَاحِدٍ، وَهَذَا إنَّمَا هُوَ بِلَا شَكٍّ لِلْجَنَابَةِ لَا لِلْحَيْضِ، وَالثَّانِي أَنَّهُ لَوْ صَحَّ فِيهِ أَنَّهَا أَرَادَتْ الْحَيْضَ لَمَا كَانَ عَلَيْنَا فِيهِ حُجَّةٌ لِأَنَّنَا لَمْ نُؤْمَرْ بِقَبُولِ رَأْيِهَا، إنَّمَا أُمِرْنَا بِقَبُولِ رِوَايَتِهَا، فَهَذَا هُوَ الْفَرْضُ اللَّازِمُ، وَالثَّالِثُ أَنَّهُ قَدْ خَالَفَهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو، وَهُوَ صَاحِبٌ، وَإِذَا وَقَعَ التَّنَازُعُ، وَجَبَ الرَّدُّ إلَى الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ، لَا إلَى قَوْلِ أَحَدِ الْمُتَنَازِعَيْنِ دُونَ الْآخَرِ، وَفِي السُّنَّةِ مَا ذَكَرْنَا، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
[مَسْأَلَةٌ انْغَمَسَ مَنْ عَلَيْهِ غُسْلٌ وَاجِبٌ فِي مَاءٍ جَارٍ]
١٩٣ - مَسْأَلَةٌ: فَلَوْ انْغَمَسَ مَنْ عَلَيْهِ غُسْلٌ وَاجِبٌ - أَيُّ غُسْلٍ كَانَ - فِي مَاءٍ جَارٍ أَجْزَأَهُ إذَا نَوَى بِهِ ذَلِكَ الْغُسْلَ، وَكَذَلِكَ لَوْ وَقَفَ تَحْتَ مِيزَابٍ وَنَوَى بِهِ ذَلِكَ الْغُسْلَ أَجْزَأَهُ، إذَا عَمَّ جَمِيعَ جَسَدِهِ، لِمَا قَدْ ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّ التَّدَلُّكَ لَا مَعْنًى لَهُ، وَهُوَ قَدْ تَطَهَّرَ وَاغْتَسَلَ كَمَا أُمِرَ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَدَاوُد وَغَيْرِهِمْ.
[مَسْأَلَةٌ انْغَمَسَ مَنْ عَلَيْهِ غُسْلٌ وَاجِبٌ فِي مَاءٍ رَاكِدٍ وَنَوَى الْغُسْلَ]
١٩٤ - مَسْأَلَةٌ: فَلَوْ انْغَمَسَ مَنْ عَلَيْهِ غُسْلٌ وَاجِبٌ فِي مَاءٍ رَاكِدٍ، وَنَوَى الْغُسْلَ أَجْزَأَهُ مِنْ الْحَيْضِ وَمِنْ النِّفَاسِ وَمِنْ غُسْلِ الْجُمُعَةِ وَمِنْ الْغُسْلِ مِنْ غُسْلِ الْمَيِّتِ وَلَمْ يُجْزِهِ لِلْجَنَابَةِ، فَإِنْ كَانَ جُنُبًا وَنَوَى بِانْغِمَاسِهِ فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ غُسْلًا مِنْ هَذِهِ الْأَغْسَالِ وَلَمْ يَنْوِ غُسْلَ الْجَنَابَةِ أَوْ نَوَاهُ، لَمْ يُجْزِهِ أَصْلًا لَا لِلْجَنَابَةِ وَلَا لِسَائِرِ الْأَغْسَالِ، وَالْمَاءُ فِي كُلِّ ذَلِكَ طَاهِرٌ بِحَسَبِهِ، قَلَّ أَوْ كَثُرَ، مُطَهِّرٌ لَهُ إذَا تَنَاوَلَهُ، وَلِغَيْرِهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَسَوَاءٌ فِي كُلِّ مَا ذَكَرْنَا كَانَ مَاءً قَلِيلًا فِي مَطْهَرَةٍ أَوْ جُبٍّ أَوْ بِئْرٍ، أَوْ كَانَ غَدِيرًا رَاكِدًا فَرَاسِخُ فِي فَرَاسِخَ، كُلُّ ذَلِكَ سَوَاءٌ.
بُرْهَانُ ذَلِكَ مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute