للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَعْدَ جِنَايَتِهَا فَقَتَلَهَا فَهُوَ ضَامِنٌ لَهَا، لِأَنَّهَا لَا ذَنْبَ لَهَا - وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَصَحِيحٌ، وَمَنْ أَصَابَ الْعَجْمَاءَ قَاصِدًا لَهَا غَيْرَ مُضْطَرٍّ فَهُوَ غَارِمٌ.

وَأَمَّا الرِّوَايَةُ عَنْ أَبِي بَكْرٍ، وَعَلِيٍّ، فَمُنْقَطِعَةٌ وَلَا حُجَّةَ فِي مُنْقَطِعٍ لَوْ كَانَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَيْفَ عَمَّنْ دُونَهُ؟ ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمَا كَانَتْ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ وَكَمْ قِصَّةٍ خَالَفُوا فِيهَا أَبَا بَكْرٍ وَغَيْرَهُ حَيْثُ لَا يَجُوزُ خِلَافُهُ، أَقْرَبُ ذَلِكَ مَا أَوْرَدْنَا عَنْ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - مِنْ تَقَيُّئِهِمْ مَا أَكَلُوا أَوْ شَرِبُوا مِمَّا لَا يَحِلُّ فَخَالَفُوا، فَإِنَّمَا هُمْ حُجَّةٌ عِنْدَهُمْ، حَيْثُ وَافَقُوا أَبَا حَنِيفَةَ لَا حَيْثُ خَالَفُوهُ، وَهَذَا تَلَاعُبٌ بِالدِّينِ. وَالْعَجَبُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ: إنَّ الْأَسَدَ، وَالسَّبُعَ، حَرَامٌ قَتْلُهُ فِي الْحَرَمِ وَعَلَى قَاتِلِهِ الْجَزَاءُ، إلَّا أَنْ يَبْتَدِئَ الْمُحْرِمُ بِأَذًى فَلَهُ قَتْلُهُ وَلَا يَجْزِيه - فَكَمْ هَذَا التَّنَاقُضُ، وَالْهَدْمُ، وَالْبِنَاءُ؟ وَلَقَدْ كَانَ يَلْزَمُ الْمَالِكِيِّينَ الْمُشَنِّعِينَ بِقَوْلِ الصَّاحِبِ إذَا وَافَقَهُمْ وَالْقَائِلِينَ بِأَنَّ الْمُرْسَلَ وَالْمُسْنَدَ سَوَاءٌ أَنْ يَقُولُوا بِهَذَا، وَلَكِنَّهُ مِمَّا تَنَاقَضُوا فِيهِ.

قَالَ عَلِيٌّ: لَا يَخْلُو مَنْ عَدَتْ الْبَهِيمَةُ عَلَيْهِ فَخَشِيَ أَنْ تَقْتُلَهُ أَوْ أَنْ تَجْرَحَهُ، أَوْ أَنْ تَكْسِرَ لَهُ عُضْوًا أَوْ أَنْ تُفْسِدَ ثِيَابَهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَأْمُورًا بِإِبَاحَةِ ذَلِكَ لَهَا، مَنْهِيًّا عَنْ الِامْتِنَاعِ مِنْهَا وَدَفْعِهَا، وَهَذَا مِمَّا لَا يَقُولُونَهُ، وَلَوْ قَالُوهُ لَكَانَ زَائِدًا فِي ضَلَالِهِمْ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: ١٩٥] وَهَذَا عَلَى عُمُومِهِ، أَوْ يَكُونُ مَأْمُورًا بِدَفْعِهَا عَنْ نَفْسِهِ مَنْهِيًّا عَنْ إمْكَانِهَا مِنْ رُوحِهِ، أَوْ جِسْمِهِ، أَوْ مَالِهِ، أَوْ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ، وَهَذَا هُوَ الْحَقُّ لِمَا ذَكَرْنَا.

فَإِذَا هُوَ مَأْمُورٌ بِذَلِكَ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى النَّجَاةِ مِنْهَا إلَّا بِقَتْلِهَا فَهُوَ مَأْمُورٌ بِقَتْلِهَا، لِأَنَّ قَتْلَهَا هُوَ الدَّفْعُ الَّذِي أُمِرَ بِهِ [وَمَنْ فَعَلَ مَا أُمِرَ بِهِ] فَهُوَ مُحْسِنٌ [وَإِذْ هُوَ مُحْسِنٌ] فَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ} [التوبة: ٩١]

[مَسْأَلَةٌ لَا ضَمَانَ عَلَى صَاحِبِ الْبَهِيمَةِ فِيمَا جَنَتْهُ]

١٢٦٦ - مَسْأَلَةٌ:

وَلَا ضَمَانَ عَلَى صَاحِبِ الْبَهِيمَةِ فِيمَا جَنَتْهُ فِي مَالٍ أَوْ دَمٍ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا لَكِنْ يُؤْمَرُ صَاحِبُهُ بِضَبْطِهِ، فَإِنْ ضَبَطَهُ فَذَاكَ، وَإِنْ عَادَ وَلَمْ يَضْبِطْهُ بِيعَ عَلَيْهِ، لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْعَجْمَاءُ جَرْحُهَا جُبَارٌ» وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ

<<  <  ج: ص:  >  >>