طَلَاقَ لَهُ فَلَا عِدَّةَ مِنْ فِرَاقِهِ، وَإِذْ لَيْسَ زَوْجًا فَلَا عِدَّةَ مِنْ وَفَاتِهِ {وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} [الطلاق: ١] .
فَإِنْ قَالُوا: قِسْنَا كُلَّ فَسْخٍ عَلَى الْمُعْتَقَةِ تَخْتَارُ فِرَاقَ زَوْجِهَا. قُلْنَا: الْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ، ثُمَّ لَوْ كَانَ حَقًّا لَكَانَ هَذَا مِنْهُ عَيْنَ الْبَاطِلِ؛ لِأَنَّ جَمِيعَ وُجُوهِ الْفَسْخِ لَا خِيَارَ فِيهِ لِلْمُنْفَسِخِ نِكَاحُهَا إلَّا الْمُعْتَقَةَ فَقَدْ أَجْمَعُوا - بِلَا خِلَافٍ - عَلَى مُفَارَقَةِ حُكْمِهَا لِحُكْمِ سَائِرِ الْمُنْفَسِخِ نِكَاحُهُنَّ، وَالْعِدَّةُ الْوَاجِبَةُ إنَّمَا هِيَ حُكْمٌ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ، لَيْسَ شَيْءٌ مِنْهَا لِاسْتِبْرَاءِ الرَّحِمِ.
بُرْهَانُ ذَلِكَ -: أَنَّ الْمُخَالِفِينَ لَنَا فِي هَذَا لَا يُخَالِفُونَنَا فِي أَنَّ الْعِدَّةَ: عَلَى الصَّغِيرَةِ الْمَوْطُوءَةِ أَيْ الَّتِي لَا تَحْمِلُ، وَالْعَجُوزِ الْكَبِيرَةِ الَّتِي لَا تَحْمِلُ -: فِي الطَّلَاقِ وَالْوَفَاةِ، وَلَوْ خَالَفُونَا فِي الطَّلَاقِ فِي الصَّغِيرَةِ لَكَانَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَاللائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللائِي لَمْ يَحِضْنَ} [الطلاق: ٤] حَاكِمًا بِصِحَّةِ قَوْلِنَا وَبُطْلَانِ قَوْلِهِمْ.
وَمَعْنَى قَوْله تَعَالَى: {إِنِ ارْتَبْتُمْ} [الطلاق: ٤] إنَّمَا هُوَ إنْ ارْتَبْتُمْ كَيْفَ يَكُونُ حُكْمُهَا لَا يَجُوزُ غَيْرُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ اللَّائِي يَئِسْنَ مِنْ الْمَحِيضِ لَا يَشُكُّ أَحَدٌ فِي أَنَّهُ لَا يَرْتَابُ فِيهَا بِحَمْلٍ.
وَكَذَلِكَ لَا يَخْتَلِفُونَ فِي أَنَّ الْخَصِيَّ الَّذِي بَقِيَ لَهُ مِنْ الذَّكَرِ مَا يُولِجُ، فَإِنَّ عَلَى امْرَأَتِهِ الْعِدَّةَ - وَهُوَ بِلَا شَكٍّ لَا يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ أَبَدًا.
وَكَذَلِكَ لَا يَخْتَلِفُونَ فِي أَنَّ مَنْ وَطِئَ امْرَأَتَهُ مَرَّةً، ثُمَّ غَابَ عَنْهَا عَشْرَاتِ السِّنِينَ، ثُمَّ طَلَّقَهَا أَنَّ الْعِدَّةَ عَلَيْهَا.
وَلَا شَكَّ فِي أَنَّهَا لَا حَمْلَ بِهَا، وَلَوْ كَانَتْ الْعِدَّةُ خَوْفَ الْحَمْلِ لَأَجْزَأَتْ حَيْضَةٌ وَاحِدَةٌ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
[مَسْأَلَةٌ عِدَّةُ الْمُطَلَّقَةِ الْمَوْطُوءَةِ الَّتِي تَحِيضُ]
١٩٨٥ - مَسْأَلَةٌ: وَعِدَّةُ الْمُطَلَّقَةِ الْمَوْطُوءَةِ الَّتِي تَحِيضُ ثَلَاثَةُ قُرُوءٍ - وَهِيَ بَقِيَّةُ الطُّهْرِ الَّذِي طَلَّقَهَا فِيهِ - وَلَوْ أَنَّهَا سَاعَةٌ أَوْ أَقَلُّ أَوْ أَكْثَرُ - ثُمَّ الْحَيْضَةُ الَّتِي تَلِي بَقِيَّةَ ذَلِكَ الطُّهْرِ، ثُمَّ طُهْرٍ ثَانِي كَامِلٍ، ثُمَّ الْحَيْضَةُ الَّتِي تَلِيهِ، ثُمَّ طُهْرٍ ثَالِثٍ كَامِلٍ -: فَإِذَا رَأَتْ أَثَرَهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute