وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ: نَفَقَةُ الرَّهْنِ عَلَى رَاهِنِهِ - وَهَذَا صَحِيحٌ، لِأَنَّهُ مَالُهُ، إلَّا أَنَّ الْحَنَفِيِّينَ قَالُوا: إنْ مَرِضَ الرَّقِيقُ الْمَرْهُونُ، أَوْ أَصَابَتْ الْعَبْدَ جِرَاحَةٌ، أَوْ دَبَّرَتْ الدَّوَابُّ الْمَرْهُونَةُ، فَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ، وَقِيمَةُ الرَّهْنِ سَوَاءً، فَالْعِلَاجُ كُلُّهُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ، وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ أَقَلَّ مِنْ قِيمَةِ الرَّهْنِ فَالْعِلَاجُ عَلَى الرَّاهِنِ وَالْمُرْتَهِنِ بِحِسَابِ ذَلِكَ.
وَهَذَا كَلَامٌ يُشْبِهُ الْهَذَيَانَ إلَّا أَنَّهُ أَسْوَأُ حَالًا مِنْ الْهَذَيَانِ، لِأَنَّهُ عَلَى حُكْمٍ فِي الدَّيْنِ بِالْآرَاءِ الْفَاسِدَةِ الَّتِي لَا نَعْلَمُ أَحَدًا قَالَهَا قَبْلَهُ، وَلَا مُتَعَلِّقَ لَهُمْ فِيهَا بِقُرْآنِ، وَلَا سُنَّةٍ، وَلَا بِرِوَايَةِ ضَعِيفَةٍ، وَلَا بِقِيَاسِ، وَلَا بِرَأْيِ سَدِيدٍ، وَلَا بِقَوْلِ مُتَقَدِّمٍ.
[مَسْأَلَةٌ مَوْت الرَّهْن وَتَلَفُهُ]
١٢١٥ - مَسْأَلَةٌ:
فَإِنْ مَاتَ الرَّهْنُ، أَوْ تَلِفَ، أَوْ أَبِقَ، أَوْ فَسَدَ، أَوْ كَانَتْ أَمَةٌ فَحَمَلَتْ مِنْ سَيِّدِهَا، أَوْ أَعْتَقَهَا، أَوْ بَاعَ الرَّهْنَ، أَوْ وَهَبَهُ، أَوْ تَصَدَّقَ بِهِ، أَوْ أَصْدَقَهُ -: فَكُلُّ ذَلِكَ نَافِذٌ، وَقَدْ بَطَلَ الرَّهْنُ وَبَقِيَ الدَّيْنُ كُلُّهُ بِحَسْبِهِ، وَلَا يُكَلَّفُ الرَّاهِنُ عِوَضًا مَكَانَ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَلَا يُكَلَّفُ الْمُعْتَقُ وَلَا الْحَامِلُ اسْتِسْعَاءً، إلَّا أَنْ يَكُونَ الرَّاهِنُ لَا شَيْءَ لَهُ مِنْ أَيْنَ يُنْصِفُ غَرِيمَهُ غَيْرَهُ، فَيَبْطُلُ عِتْقُهُ؛ وَصَدَقَتُهُ، وَهِبَتُهُ - وَلَا يَبْطُلُ بَيْعُهُ وَلَا إصْدَاقُهُ.
رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا يَحْيَى بْنُ آدَمَ نا إسْرَائِيلُ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ مِقْسَمٍ الضَّبِّيِّ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ فِيمَنْ رَهَنَ عَبْدَهُ ثُمَّ أَعْتَقَهُ؟ قَالَ: الْعِتْقُ جَائِزٌ، وَيَتْبَعُ الْمُرْتَهِنُ الرَّاهِنَ، قَالَ يَحْيَى: وَسَمِعْت الْحَسَنَ بْنَ حَيٍّ يَقُولُ فِيمَنْ رَهَنَ عَبْدًا ثُمَّ أَعْتَقَهُ: الْعِتْقُ جَائِزٌ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ سِعَايَةٌ.
بُرْهَانُ ذَلِكَ -: أَنَّ الدَّيْنَ قَدْ ثَبَتَ فَلَا يُبْطِلُهُ شَيْءٌ إلَّا نَصُّ قُرْآنٍ، أَوْ سُنَّةٍ، فَلَا سَبِيلَ إلَى وُجُودِ إبْطَالِهِ فِيهِمَا.
وَلَا يَجُوزُ تَكْلِيفُ عِوَضٍ وَلَا اسْتِسْعَاءٍ، لِأَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْ اللَّهُ تَعَالَى بِذَلِكَ وَلَا رَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالذِّمَمُ بَرِيئَةٌ إلَّا بِنَصِّ قُرْآنٍ، أَوْ سُنَّةٍ.
فَأَمَّا الْعِتْقُ، وَالْبَيْعُ، وَالْهِبَةُ، وَالْإِصْدَاقُ، وَالصَّدَقَةُ؛ فَإِنَّ الرَّهْنَ مَالُ الرَّاهِنِ بِلَا خِلَافٍ -: وَكُلُّ هَذِهِ الْوُجُوهِ مُبَاحَةٌ لِلْمَرْءِ فِي مَالِهِ بِنَصِّ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ، وَالْإِجْمَاعِ الْمُتَيَقَّنِ، إلَّا مَنْ لَا شَيْءَ لَهُ غَيْرُ ذَلِكَ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كُلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ» وَقَوْلِهِ: «الصَّدَقَةُ عَنْ ظَهْرِ غِنًى» .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute