الدَّيْنِ شَيْءٌ، وَإِنْ هَلَكَ الْأَصْلُ، وَالْأُمُّ، وَالشَّجَرُ: قُسِّمَ الدَّيْنَ عَلَى ذَلِكَ، وَعَلَى النَّمَاءِ، فَمَا وَقَعَ لِلْأَصْلِ سَقَطَ، وَمَا وَقَعَ لِلنَّمَاءِ بَقِيَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا تَنَاقُضٌ فَاحِشٌ، لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ رَهْنٌ عِنْدَهُمْ، ثُمَّ خَالَفُوا بَيْنَ أَحْكَامِهَا بِلَا بُرْهَانٍ.
وَقَالَ مَالِكٌ: أَمَّا الْوَلَدُ فَدَاخِلٌ فِي الرَّهْنِ، وَأَمَّا الْغَلَّةُ وَالثَّمَرَةُ، فَخَارِجَانِ مِنْ الرَّهْنِ - وَهَذَا تَقْسِيمٌ فَاسِدٌ جِدًّا بِلَا بُرْهَانٍ.
فَإِنْ قَالُوا: إنَّ الْوَلَدَ بَعْضُ الْأُمِّ؟ قُلْنَا: كَذَبَ مَنْ قَالَ هَكَذَا؟ وَكَيْف يَكُونُ بَعْضَهَا، وَقَدْ يَكُونُ ذَكَرًا وَهِيَ أُنْثَى، وَيَكُونُ مُسْلِمًا، وَهِيَ كَافِرَةٌ؟ ثُمَّ يُقَالُ لَهُمْ: وَالثَّمَرَةُ أَيْضًا بَعْضُ الشَّجَرِ - دَعْوَى كَدَعْوَى.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: كُلُّ ذَلِكَ لِصَاحِبِ الْأَصْلِ، وَلَا يَدْخُلُ شَيْءٌ مِنْهُ فِي الرَّهْنِ وَهُوَ الْحَقُّ، لِأَنَّ الرَّهْنَ هُوَ مَا تَعَاقَدَا عَلَيْهِ الصَّفْقَةَ، لَا مَا لَمْ يَتَعَاقَدَاهَا عَلَيْهِ، وَكُلُّ مَا ذَكَرْنَا شَيْءٌ لَمْ يَتَعَاقَدَا الصَّفْقَةَ عَلَيْهِ، فَكُلُّهُ غَيْرُ الْأَصْلِ، وَكُلُّهُ حَادِثٌ فِي مِلْكِ صَاحِبِ الْأَصْلِ، فَكُلُّهُ لَهُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
[مَسْأَلَةٌ مَوْت الرَّاهِن أَوْ الْمُرْتَهِن]
١٢١٦ - مَسْأَلَةٌ:
فَإِنْ مَاتَ الرَّاهِنُ أَوْ الْمُرْتَهِنُ بَطَلَ الرَّهْنُ وَوَجَبَ رَدُّ الرَّهْنِ إلَى الرَّاهِنِ أَوْ إلَى وَرَثَتِهِ، وَحُلَّ الدَّيْنُ الْمُؤَجَّلُ، وَلَا يَكُونُ الْمُرْتَهِنُ أَوْلَى بِثَمَنِ الرَّهْنِ مِنْ سَائِرِ الْغُرَمَاءِ حِينَئِذٍ، وَذَلِكَ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلا عَلَيْهَا} [الأنعام: ١٦٤] فَإِذَا مَا مَاتَ الْمُرْتَهِنُ فَإِنَّمَا كَانَ حَقُّ الرَّهْنِ لَهُ، لَا لِوَرَثَتِهِ وَلَا لِغُرَمَائِهِ، وَلَا لِأَهْلِ وَصِيَّتِهِ، وَإِنَّمَا تُورَثُ الْأَمْوَالُ لَا الْحُقُوقُ الَّتِي لَيْسَتْ أَمْوَالًا: كَالْأَمَانَاتِ، وَالْوَكَالَات، وَالْوَصَايَا وَغَيْرِ ذَلِكَ.
فَإِذَا سَقَطَ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ بِمَوْتِهِ وَجَبَ رَدُّ الرَّهْنِ إلَى صَاحِبِهِ. وَإِذَا مَاتَ الرَّاهِنُ فَإِنَّمَا كَانَ عَقْدُ الْمُرْتَهِنِ مَعَهُ لَا مَعَ وَرَثَتِهِ، وَقَدْ سَقَطَ مِلْكُ الرَّاهِنِ عَنْ الرَّهْنِ بِمَوْتِهِ، وَانْتَقَلَ مِلْكُهُ إلَى وَرَثَتِهِ أَوْ إلَى غُرَمَائِهِ، وَهُوَ أَحَدُ غُرَمَائِهِ، أَوْ إلَى أَهْلِ وَصِيَّتِهِ - وَلَا عَقْدَ لِلْمُرْتَهِنِ مَعَهُمْ، وَلَا يَجُوزُ عَقْدُ الْمَيِّتِ عَلَى غَيْرِهِ فَيَكُونُ كَاسِبًا عَلَيْهِمْ، فَالْوَاجِبُ رَدُّ مَتَاعِهِمْ إلَيْهِمْ، وَلِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ» .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute