للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بُرْهَانُ ذَلِكَ. أَنَّهَا مَجْهُولَةٌ لَا يُدْرَى مَا يَلْزَمُ مِنْهَا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَوْ مِنْهُمْ وَهَذَا بَاطِلٌ - وَأَيْضًا: فَإِنَّ شَرْطَهُ أَنْ لَا يُعْتَقَ مِنْهُمَا وَاحِدٌ إلَّا بِأَدَاءِ الْآخَرِ، وَعِتْقُهُ شَرْطٌ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ بَاطِلٌ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلا عَلَيْهَا وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: ١٦٤] فَصَحَّ أَنَّهُ عَقْدٌ مُخَالِفٌ لِلْقُرْآنِ فَلَا يَجُوزُ وَلَا يَقَعُ بِهِ عِتْقٌ أَصْلًا - أَدَّيَا أَوْ لَمْ يُؤَدِّيَا - وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِنَا.

[مَسْأَلَة بَيْع الْمُكَاتَب وَالْمُكَاتَبَة]

١٦٩١ - مَسْأَلَةٌ: وَبَيْعُ الْمُكَاتَبِ، وَالْمُكَاتَبَةِ مَا لَمْ يُؤَدِّيَا شَيْئًا مِنْ كِتَابَتِهِمَا جَائِزٌ مَتَى شَاءَ السَّيِّدُ، وَكَذَلِكَ وَطْءُ الْمُكَاتَبَةِ جَائِزٌ مَا لَمْ تُؤَدِّ شَيْئًا مِنْ كِتَابَتِهَا، فَإِنْ حَمَلَتْ أَوْ لَمْ تَحْمِلْ فَهِيَ عَلَى مُكَاتَبَتِهَا، فَإِذَا بِيعَ بَطَلَتْ الْكِتَابَةُ فَإِنْ عَادَ إلَى مِلْكِهِ فَلَا كِتَابَةَ لَهُمَا إلَّا بِعَقْدٍ مُحَدَّدٍ - إنْ طَلَبَهُ الْعَبْدُ أَوْ الْأَمَةُ - فَإِنْ أَدَّيَا شَيْئًا مِنْ الْكِتَابَةِ - قَلَّ أَوْ كَثُرَ - حَرُمَ وَطْؤُهَا جُمْلَةً، وَجَازَ بَيْعُ مَا قَابَلَ مِنْهُمَا مَا لَمْ يُؤَدِّيَا. فَإِنْ بَاعَ ذَلِكَ الْجُزْءَ بَطَلَتْ الْكِتَابَةُ فِيهِ خَاصَّةً وَصَحَّ الْعِتْقُ فِيمَا قَابَلَ مِنْهُمَا مَا أَدَّيَا، فَإِنْ عَادَ الْجُزْءُ الْمَبِيعُ إلَى مِلْكِ الْبَائِعِ يَوْمًا مَا لَمْ تَعُدْ فِيهِ الْكِتَابَةُ وَلَا الرُّجُوعُ فِي الْكِتَابَةِ أَصْلًا، بِغَيْرِ الْخُرُوجِ مِنْ الْمِلْكِ.

وَكَذَلِكَ إنْ مَاتَ السَّيِّدُ فَإِنَّ مَا قَابَلَ مِمَّا أَدَّيَا حُرٌّ وَمَا بَقِيَ رَقِيقٌ لِلْوَرَثَةِ قَدْ بَطَلَتْ فِيهِ الْكِتَابَةُ، فَإِنْ كَانَا لَمْ يَكُونَا أَدَّيَا شَيْئًا بَعْدُ فَقَدْ بَطَلَتْ الْكِتَابَةُ كُلُّهَا، وَهُمَا رَقِيقٌ لِلْوَرَثَةِ. وَكَذَلِكَ إنْ مَاتَ الْمُكَاتَبُ أَوْ الْمُكَاتَبَةُ وَلَمْ يَكُونَا أَدَّيَا شَيْئًا، فَقَدْ مَاتَا مَمْلُوكَيْنِ، وَمَالُهُمَا كُلُّهُ لِلسَّيِّدِ، فَإِنْ كَانَا قَدْ أَدَّيَا مِنْ الْكِتَابَةِ فَمَا قَابَلَ مِنْهُمَا مَا أَدَّيَا فَهُوَ حُرٌّ، وَيَكُونُ مَا قَابَلَ ذَلِكَ الْجُزْءَ مِمَّا تَرَكَا مِيرَاثًا لِلْأَحْرَارِ مِنْ وَرَثَتِهِمَا، وَيَكُونُ مَا قَابَلَ مَا لَمْ يُؤَدِّيَا مِمَّا تَرَكَا لِلسَّيِّدِ، وَقَدْ بَطَلَ بَاقِي الْكِتَابَةِ، وَمَا حَمَلَتْ بِهِ الْمُكَاتَبَةُ قَبْلَ الْكِتَابَةِ أَوْ بَعْدَهَا، إلَى أَنْ يَتِمَّ لَهُ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ لَيْلَةً مُذْ حَمَلَتْ بِهِ، فَحُكْمُهُ حُكْمُهَا حَتَّى يَتِمَّ لَهُ الْعَدَدُ الْمَذْكُورُ، فَمَا عَتَقَ مِنْهَا بِالْأَدَاءِ عَتَقَ مِنْهُ. فَإِذَا نُفِخَ فِيهِ الرُّوحُ فَقَدْ اسْتَقَرَّ أَمْرُهُ وَلَا يَزِيدُ قِيمَةُ الْعِتْقِ فِيهِ بَعْدُ بِأَدَائِهَا.

بُرْهَانُ ذَلِكَ مَا ذَكَرْنَاهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَ هَذِهِ مِنْ حُكْمِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنَّ الْمُكَاتَبَ يُعْتَقُ مِنْهُ بِقَدْرِ مَا أَدَّى، وَيُرَقُّ بِقَدْرِ مَا لَمْ يُؤَدِّ فَهَذَا يُوجِبُ كُلَّ مَا ذَكَرْنَا، وَإِذْ هُوَ عَبْدٌ مَا لَمْ يُؤَدِّ، فَبَيْعُ الْمَرْءِ عَبْدَهُ وَوَطْؤُهُ أَمَتَهُ حَلَالٌ لَهُ، وَمَا عَلِمْنَا فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى مَمْلُوكًا مَمْنُوعًا مِنْ بَيْعِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>