فَإِنْ قِيلَ: إنَّ الْآثَارَ كُلَّهَا إنَّمَا فِيهَا جَمَعَ رَسُولُ اللَّهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِعَرَفَةَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ؟ قُلْنَا: نَعَمْ، وَصَلَاةُ الْجُمُعَةِ هِيَ صَلَاةُ الظُّهْرِ نَفْسُهَا وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ الْآثَارِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يَجْهَرْ فِيهَا، وَالْجَهْرُ أَيْضًا لَيْسَ فَرْضًا وَإِنَّمَا يَفْتَرِقُ الْحُكْمُ فِي أَنَّ ظُهْرَ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ لِلْجَمَاعَةِ رَكْعَتَانِ.
[مَسْأَلَةٌ تَأْخِيرُ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ عَنْ أَوَّلِ أَوْقَاتِ الِاسْتِطَاعَةِ]
٩١١ - مَسْأَلَةٌ:
وَلَا يَجُوزُ تَأْخِيرُ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ عَنْ أَوَّلِ أَوْقَاتِ الِاسْتِطَاعَةِ لَهُمَا؛ فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ عَصَى وَعَلَيْهِ أَنْ يَعْتَمِرَ وَيَحُجَّ - وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ - وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: هُوَ فِي سَعَةٍ إلَى آخِرِ عُمْرِهِ.
بُرْهَانُ صِحَّةِ قَوْلِنَا قَوْلُ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ -: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} [آل عمران: ١٣٣] وَقَالَ - تَعَالَى - {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا} [آل عمران: ٩٧] وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ هَذَا مُتَوَجَّهٌ إلَى كُلِّ مُسْتَطِيعٍ؛ فَلَا يَخْلُو الْمُسْتَطِيعُ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُفْتَرَضًا عَلَيْهِ الْحَجُّ أَوْ لَا يَكُونُ مُفْتَرَضًا عَلَيْهِ الْحَجُّ؛ فَإِنْ كَانَ مُفْتَرَضًا عَلَيْهِ فَهُوَ مَأْمُورٌ بِهِ فِي عَامِهِ - وَهُوَ قَوْلُنَا، وَهُوَ إنْ لَمْ يَحُجَّ مُعَطِّلُ فَرْضٍ وَإِنْ كَانَ لَيْسَ مُفْتَرَضًا عَلَيْهِ الْحَجُّ فَهَذَا خِلَافُ الْقُرْآنِ.
وَأَيْضًا فَإِنْ كَانَ مَفْسُوحًا لَهُ إلَى آخِرِ عُمْرِهِ فَإِنَّمَا تَلْحَقُهُ الْمَلَامَةُ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَالْمَلَامَةُ لَا تَلْحَقُ أَحَدًا بَعْدَ الْمَوْتِ، فَصَحَّ أَنَّهُ مَلُومٌ فِي حَيَاتِهِ.
فَإِنْ احْتَجُّوا بِأَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَقَامَ بِالْمَدِينَةِ عَشْرَ سِنِينَ لَمْ يَحُجَّ إلَّا فِي آخِرِهَا؟ قُلْنَا: لَا بَيَانَ عِنْدَكُمْ مَتَى افْتَرَضَ اللَّهُ - تَعَالَى - الْحَجَّ، وَمُمْكِنٌ أَنْ لَا يَكُونَ اُفْتُرِضَ إلَّا عَامَ حَجَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَمَا لَا نَصَّ بَيِّنًا فِيهِ فَلَا حُجَّةَ فِيهِ، إلَّا أَنَّنَا مُوقِنُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَدَعُ الْأَفْضَلَ إلَّا لِعُذْرٍ مَانِعٍ، وَلَا يَخْتَلِفُونَ مَعَنَا فِي أَنَّ التَّعْجِيلَ أَفْضَلُ.
فَإِنْ ذَكَرُوا تَأْخِيرَ الصَّلَاةِ إلَى آخِرِ وَقْتِهَا. قُلْنَا: هَذَا جَاءَ بِهِ النَّصُّ فَأَوْجِدُونَا نَصًّا بَيِّنًا فِي جَوَازِ تَأْخِيرِ الْحَجِّ وَهُوَ قَوْلُكُمْ حِينَئِذٍ، وَلَا سَبِيلَ إلَى هَذَا - وَبِاَللَّهِ - تَعَالَى - التَّوْفِيقُ.
٩١٢ - مَسْأَلَةٌ:
وَإِنَّمَا تُرَاعَى الِاسْتِطَاعَةُ بِحَيْثُ لَوْ خَرَجَ مِنْ الْمَكَانِ الَّذِي حَدَثَتْ لَهُ فِيهِ الِاسْتِطَاعَةُ فَيُدْرِكُ الْحَجَّ فِي وَقْتِهِ وَالْعُمْرَةَ، فَإِنْ اسْتَطَاعَ قَبْلَ ذَلِكَ الْعَامِ كُلِّهِ وَبَطَلَتْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute