وَقَدْ كَانَ الْعُمَّالُ يَهْمِطُونَ وَيُصِيبُونَ ثُمَّ يَدْعُونَ فَيُجَابُونَ، قُلْت لَهُ: نَزَلْتُ بِعَامِلٍ فَنَزَلَنِي وَأَجَازَنِي، قَالَ: اقْبَلْ، قُلْت: فَصَاحِبُ رِبًا؟ فَقَالَ: اقْبَلْ مَا لَمْ تَرَهُ بِعَيْنِهِ.
قَالَ عَلِيٌّ: وَهَكَذَا أَدْرَكْنَا مَنْ يَوْثُقُ بِعِلْمِهِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
[مَسْأَلَة الرشوة وَحُكْمهَا]
١٦٣٨ - مَسْأَلَةٌ: وَلَا تَحِلُّ الرِّشْوَةُ: وَهِيَ مَا أَعْطَاهُ الْمَرْءُ لِيُحْكَمَ لَهُ بِبَاطِلٍ، أَوْ لِيُوَلِّيَ وِلَايَةً، أَوْ لِيُظْلَمَ لَهُ إنْسَانٌ - فَهَذَا يَأْثَمُ الْمُعْطِي وَالْآخِذُ.
فَأَمَّا مَنْ مُنِعَ مِنْ حَقِّهِ فَأَعْطَى لِيَدْفَعَ عَنْ نَفْسِهِ الظُّلْمَ فَذَلِكَ مُبَاحٌ لِلْمُعْطِي، وَأَمَّا الْآخِذُ فَآثِمٌ، وَفِي كِلَا الْوَجْهَيْنِ فَالْمَالُ الْمُعْطَى بَاقٍ عَلَى مِلْكِ صَاحِبِهِ الَّذِي أَعْطَاهُ كَمَا كَانَ، كَالْغَصْبِ وَلَا فَرْقَ - وَمِنْ جُمْلَةِ هَذَا مَا أُعْطِيهِ أَهْلَ دَارِ الْكُفْرِ فِي فِدَاءِ الْأَسْرَى، وَفِي كُلِّ ضَرُورَةٍ، وَكُلُّ هَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، إلَّا مِلْكَ أَهْلِ دَارِ الْكُفْرِ مَا أَخَذُوهُ فِي فِدَاءِ الْأَسِيرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَإِنَّ قَوْمًا قَالُوا: قَدْ مَلَكُوهُ - وَهَذَا بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ قَوْلٌ لَمْ يَأْتِ بِهِ قُرْآنٌ، وَلَا سُنَّةٌ، وَلَا قِيَاسٌ، وَلَا نَظَرٌ، وَقَوْلُنَا فِي هَذَا هُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَغَيْرِهِمَا.
بُرْهَانُ صِحَّةِ قَوْلِنَا -: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: ٢٩] فَنَسْأَلُ مَنْ خَالَفْنَا: أَبِحَقٍّ أَخَذَ الْكُفَّارُ مَا أَخَذُوا مِنَّا فِي الْفِدَاءِ وَغَيْرِهِ أَمْ بِبَاطِلٍ؟ فَمِنْ قَوْلِهِمْ: بِالْبَاطِلِ، وَلَوْ قَالُوا غَيْرَ ذَلِكَ كَفَرُوا، وَفِي هَذَا كِفَايَةٌ؛ لِأَنَّهُ خِطَابٌ لِجَمِيعِ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ، وَلِلُزُومِ الدِّينِ لَهُمْ.
وَقَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ» .
فَإِنْ قِيلَ: لِمَ أَبَحْتُمْ إعْطَاءَ الْمَالِ فِي دَفْعِ الظُّلْمِ، وَقَدْ رَوَيْتُمْ مِنْ طَرِيقِ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: «جَاءَ رَجُلٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنْ جَاءَ رَجُلٌ يُرِيدُ أَخْذَ مَالِي؟ قَالَ: فَلَا تُعْطِهِ مَالَكَ، قَالَ: أَرَأَيْتَ إنْ قَاتَلَنِي؟ قَالَ: قَاتِلْهُ، قَالَ: أَرَأَيْتَ إنْ قَتَلَنِي؟ قَالَ: فَأَنْتَ شَهِيدٌ، قَالَ: أَرَأَيْتَ إنْ قَتَلْتُهُ؟ قَالَ: فَهُوَ فِي النَّارِ» .
وَبِالْخَبَرِ الْمَأْثُورِ «لَعَنْ اللَّهُ الرَّاشِيَ وَالْمُرْتَشِيَ» .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute