قَالَ: «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَرْمِي جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ يَوْمَ النَّحْرِ عَلَى نَاقَةٍ لَهُ صَهْبَاءَ، لَا ضَرْبَ، وَلَا طَرْدَ، وَلَا إلَيْكَ إلَيْكَ» .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ قَبْلَ مَوْتِهِ بِأَقَلَّ مِنْ سَاعَةٍ: رَمْيُ الْجَمْرَتَيْنِ الْآخِرَتَيْنِ رَاكِبًا أَفْضَلُ وَرَمْيُ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ رَاجِلًا أَفْضَلُ؛ وَهَذَا تَقْسِيمٌ فَاسِدٌ بِلَا بُرْهَانٍ بَلْ رَمْيُهَا رَاكِبًا أَفْضَلُ اقْتِدَاءً بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
[مَسْأَلَةٌ تَعَمُّدُ الْوَطْءِ فِي الْحَلَالِ ذَاكِرًا لِحَجِّهِ أَوْ عُمْرَتِهِ]
٨٥٥ - مَسْأَلَةٌ: وَيُبْطِلُ الْحَجَّ تَعَمُّدُ الْوَطْءِ فِي الْحَلَالِ مِنْ الزَّوْجَةِ وَالْأَمَةِ ذَاكِرًا لِحَجِّهِ أَوْ عُمْرَتِهِ فَإِنْ وَطِئَهَا نَاسِيًا؛ لِأَنَّهُ فِي عَمَلِ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ يَبْطُلُ بِتَعَمُّدِهِ أَيْضًا حَجُّ الْمَوْطُوءَةِ وَعُمْرَتُهَا قَالَ - تَعَالَى -: {فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} [البقرة: ١٩٧] وَالرَّفَثُ الْجِمَاعُ؛ فَمَنْ جَامَعَ فَلَمْ يَحُجَّ، وَلَا اعْتَمَرَ كَمَا أُمِرَ، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «دَخَلَتْ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجِّ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» .
وَأَمَّا النَّاسِي، وَالْمُكْرَهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» .
وَلِقَوْلِ اللَّهِ - تَعَالَى -: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} [الأحزاب: ٥] وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِنَا.
[مَسْأَلَةٌ وَطِئَ وَعَلَيْهِ بَقِيَّةٌ مِنْ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ أَوْ رَمْيِ الْجَمْرَةِ]
٨٥٦ - مَسْأَلَةٌ:
وَإِنْ وَطِئَ وَعَلَيْهِ بَقِيَّةٌ مِنْ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ أَوْ شَيْءٌ مِنْ رَمْيِ الْجَمْرَةِ فَقَدْ بَطَلَ حَجُّهُ كَمَا قُلْنَا، قَالَ تَعَالَى: {فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} [البقرة: ١٩٧] .
فَصَحَّ أَنَّ مَنْ رَفَثَ وَلَمْ يُكْمِلْ حَجَّهُ فَلَمْ يَحُجَّ كَمَا أُمِرَ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ وَقَوْلُ أَصْحَابِنَا.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَا يَبْطُلُ الْحَجُّ بِالْوَطْءِ بَعْدَ عَرَفَةَ؛ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ مَالِكٌ: إنْ وَطِئَ يَوْمَ النَّحْرِ قَبْلَ رَمْيِ الْجَمْرَةِ بَطَلَ حَجُّهُ، وَإِنْ وَطِئَ يَوْمَ النَّحْرِ بَعْدَ رَمْيِ الْجَمْرَةِ لَمْ يَبْطُلْ حَجُّهُ، وَإِنْ وَطِئَ بَعْدَ يَوْمِ النَّحْرِ قَبْلَ رَمْيِ الْجَمْرَةِ لَمْ يَبْطُلْ حَجُّهُ.
فَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ فَتَقْسِيمٌ لَا دَلِيلَ عَلَى صِحَّتِهِ أَصْلًا.
وَاحْتَجَّ أَبُو حَنِيفَةَ بِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْحَجُّ عَرَفَةَ» .
قَالَ عَلِيٌّ: وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي هَذَا لِأَنَّ الَّذِي قَالَ هَذَا هُوَ الَّذِي أَخْبَرَنَا عَنْ اللَّهِ تَعَالَى