وَمَنْ أَجَازَ لَهُمْ بَيْعَ الْخَمْرِ ظَاهِرًا وَشِرَاءَهَا كَذَلِكَ، وَتَمَلُّكَهَا عَلَانِيَةً، وَتَمَلُّكَ الْخَنَازِيرِ كَذَلِكَ، لِأَنَّهُمْ مِنْ دِينِهِمْ بِزَعْمِهِ، وَصَدَّقَهُمْ فِي ذَلِكَ: لَزِمَهُ أَنْ يَتْرُكَهُمْ أَنْ يُقِيمُوا شَرَائِعَهُمْ فِي بَيْعِ مَنْ زَنَى مِنْ النَّصَارَى الْأَحْرَارِ، وَخِصَاءِ الْقِسِّيسِ إذَا زَنَى، وَقَتْلِ مَنْ يَرَوْنَ قَتْلَهُ وَهُمْ لَا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ فَظَهَرَ تَنَاقُضُهُمْ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إذَا أَمَرَ الْمُسْلِمُ نَصْرَانِيًّا بِأَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ خَمْرًا: جَازَ ذَلِكَ وَهَذِهِ مِنْ شُنْعِهِ الَّتِي نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ مِثْلِهَا.
وَأَمَّا الْمِسْكُ: فَقَدْ صَحَّ «عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - التَّطَيُّبُ بِالْمِسْكِ وَتَفْضِيلُهُ عَلَى الطِّيبِ» وَأَيْضًا: فَقَدْ سَقَطَ عَنْهُ اسْمُ الدَّمِ وَصِفَاتِهِ وَحْدَهُ، فَلَيْسَ دَمًا، وَالْأَحْكَامُ إنَّمَا هِيَ عَلَى الْأَسْمَاءِ، وَالْأَسْمَاءُ إنَّمَا هِيَ عَلَى الصِّفَاتِ، وَالْحُدُودِ.
رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ أَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ أَنَا عُمَرُ الْمُكْتِبُ أَنَا حِزَامٌ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ زَكَا أَوْ زَكَّارٍ قَالَ: نَظَرَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ إلَى زُرَارَةَ فَقَالَ: مَا هَذِهِ الْقَرْيَةُ؟ قَالُوا: قَرْيَةٌ تُدْعَى زُرَارَةَ يُلْحَمُ فِيهَا، وَيُبَاعُ فِيهَا الْخَمْرُ؟ قَالَ: أَيْنَ الطَّرِيقُ إلَيْهَا؟ قَالُوا: بَابُ الْجِسْرِ، قَالُوا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ نَأْخُذُ لَك سَفِينَةً؟ قَالَ: لَا، تِلْكَ شَجَرَةٌ، وَلَا حَاجَةَ لَنَا فِي الشَّجَرَةِ، انْطَلِقُوا بِنَا إلَى بَابِ الْجِسْرِ، فَقَامَ يَمْشِي حَتَّى أَتَاهَا، فَقَالَ عَلَيَّ بِالنِّيرَانِ أَضْرِمُوهَا فِيهَا، فَاحْتَرَقَتْ.
وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ نا هِشَامٌ وَمَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الْفَزَارِيّ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ الْحَارِثِ بْنِ شُبَيْلٍ عَنْ أَبِي عَمْرٍو الشَّيْبَانِيِّ، قَالَ: بَلَغَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ السَّوَادِ أَثْرَى فِي تِجَارَةِ الْخَمْرِ، فَكَتَبَ: أَنْ اكْسِرُوا كُلَّ شَيْءٍ قَدَرْتُمْ لَهُ عَلَيْهِ، وَسَيِّرُوا كُلَّ مَاشِيَةٍ لَهُ، وَلَا يُؤْوِيَنَّ أَحَدٌ لَهُ شَيْئًا.
فَهَذَا حُكْمُ عَلِيٍّ، وَعُمَرَ، بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فِيمَنْ بَاعَ الْخَمْرَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَلَا مُخَالِفَ لَهُ يُعْرَفُ مِنْ الصَّحَابَةِ فَخَالَفُوهُمَا.
[مَسْأَلَة بَيْع الْكَلْب واقتنائه]
١٥١٤ - مَسْأَلَةٌ:
وَلَا يَحِلُّ بَيْعُ كَلْبٍ أَصْلًا، لَا كَلْبَ صَيْدٍ وَلَا كَلْبَ مَاشِيَةٍ، وَلَا غَيْرَهُمَا، فَإِنْ اُضْطُرَّ إلَيْهِ وَلَمْ يَجِدْ مَنْ يُعْطِيه إيَّاهُ فَلَهُ ابْتِيَاعُهُ، وَهُوَ حَلَالٌ لِلْمُشْتَرِي حَرَامٌ عَلَى الْبَائِعِ يَنْتَزِعُ مِنْهُ الثَّمَنَ مَتَى قَدَرَ عَلَيْهِ، كَالرِّشْوَةِ فِي دَفْعِ الظُّلْمِ، وَفِدَاءِ الْأَسِيرِ، وَمُصَانَعَةِ الظَّالِمِ وَلَا فَرْقَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute