للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَالْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ، وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَغَيْرِهِمْ.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا قَوْلُ الْمَرْءِ: لَا وَاَللَّهِ، وَأَيْ وَاَللَّهِ بِغَيْرِ نِيَّةٍ، فَأَمْرُهُ ظَاهِرٌ لَا إشْكَالَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ نَصُّ الْقُرْآنِ، كَمَا قَالَتْ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -.

وَأَمَّا مَنْ أَقْسَمَ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ يَرَى، وَلَا يَشُكُّ فِي أَنَّهُ كَمَا حَلَفَ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ لَمْ يَعْمِدْ الْحِنْثَ، وَلَا قَصَدَ لَهُ، وَلَا حِنْثَ إلَّا عَلَى مَنْ قَصَدَ إلَيْهِ إلَّا أَنَّ هَذَا مِمَّا تَنَاقَضَ فِيهِ الْحَنَفِيُّونَ، وَالْمَالِكِيُّونَ، فَأَسْقَطُوا الْكَفَّارَةَ هَهُنَا، وَأَوْجَبُوهَا عَلَى فِعْلِ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ نَاسِيًا أَوْ مُكْرَهًا، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

وَالْعَجَبُ أَيْضًا - أَنَّهُمْ رَأَوْا اللَّغْوَ فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى، وَلَمْ يَرَوْهُ فِي الْيَمِينِ بِغَيْرِهِ تَعَالَى، كَالْمَشْيِ إلَى مَكَّةَ، وَالطَّلَاقِ، وَالْعِتْقِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ.

وَقَدْ جَاءَ أَثَرٌ بِقَوْلِنَا: رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد السِّجِسْتَانِيِّ نا حُمَيْدُ بْنُ مَسْعَدَةَ نا حَسَّانُ هُوَ ابْنُ إبْرَاهِيمَ - نا إبْرَاهِيمُ هُوَ الصَّائِغُ - عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ قَالَ: «اللَّغْوُ فِي الْيَمِينِ قَالَتْ عَائِشَةُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُوَ كَلَامُ الرَّجُلِ فِي بَيْتِهِ: كَلَا وَاَللَّهِ، وَبَلَى وَاَللَّهِ» وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

[مَسْأَلَةٌ حَلَفَ أَنْ لَا يَفْعَلَ أَمْرًا كَذَا فَفَعَلَهُ نَاسِيًا أَوْ مُكْرَهًا]

١١٣٢ - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَفْعَلَ أَمْرًا كَذَا، فَفَعَلَهُ نَاسِيًا أَوْ مُكْرَهًا، أَوْ غُلِبَ بِأَمْرٍ حِيلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ بِهِ، أَوْ حَلَفَ عَلَى غَيْرِهِ أَنْ يَفْعَلَ فِعْلًا ذَكَرَهُ لَهُ، أَوْ أَنْ لَا يَفْعَلَ فِعْلًا كَذَا - فَفَعَلَهُ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ عَامِدًا أَوْ نَاسِيًا، أَوْ شَكَّ الْحَالِفُ أَفْعَلَ مَا حَلَفَ أَنْ لَا يَفْعَلَهُ أَمْ لَا؟ أَوْ فَعَلَهُ فِي غَيْرِ عَقْلِهِ، فَلَا كَفَّارَةَ عَلَى الْحَالِفِ فِي شَيْءٍ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ وَلَا إثْمَ.

رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ هُشَيْمٍ عَنْ الْمُغِيرَةِ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ: لَغْوُ الْيَمِينِ: هُوَ أَنْ يَحْلِفَ عَلَى الشَّيْءِ ثُمَّ يَنْسَى - قَالَ هُشَيْمٌ: وَأَخْبَرَنِي مَنْصُورٌ عَنْ الْحَسَنِ بِمِثْلِهِ.

بُرْهَانُ ذَلِكَ -: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ} [المائدة: ٨٩] .

وَقَالَ تَعَالَى {وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} [الأحزاب: ٥] .

وَقَدْ قُلْنَا: إنَّ الْحِنْثَ لَيْسَ إلَّا عَلَى قَاصِدِ إلَى الْحِنْثِ يَتَعَمَّدُ لَهُ بِنَصِّ الْقُرْآنِ، وَهَؤُلَاءِ كُلُّهُمْ غَيْرُ قَاصِدِينَ إلَيْهِ، فَلَا حِنْثَ عَلَيْهِمْ، إذْ لَمْ يَتَعَمَّدُوهُ بِقُلُوبِهِمْ.

<<  <  ج: ص:  >  >>