فَصَحَّ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ حَرَّمَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَرَّمَهُ وَبَلَّغَهُ هُوَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إلَيْنَا، وَكُلُّ مَا حَرَّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْقُرْآنِ فَالنَّبِيُّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بَلَّغَ الْقُرْآنَ إلَيْنَا، وَلَوْلَاهُ مَا عَرَفْنَا مَا هُوَ الْقُرْآنُ. فَصَحَّ يَقِينًا أَنَّ كُلَّ حَرَامٍ، أَوْ كُلَّ مُفْتَرَضٍ، أَوْ كُلَّ حَلَالٍ فَهُوَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلَا فَرْقَ. وَلَيْسَ قَوْلُنَا: إنَّهُ لَا يَحِلُّ لِلْمُحْرِمِ قَتْلُ الصَّيْدِ وَلَا لِلْمُحِلِّ فِي الْحَرَمِ مَا دَامَ يَجِدُ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الْمُحَرَّمَاتِ نَاقِضًا لِهَذِهِ الْجُمْلَةِ، بَلْ هُوَ طَرْدٌ لَهَا؛ لِأَنَّ وَاجِدَ الْخِنْزِيرِ، وَالْمَيْتَةِ، وَالدَّمِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ غَيْرُ مُضْطَرٍّ مَعَهَا، بَلْ هُوَ وَاجِدُ حَلَالٍ، فَلَيْسَ مُضْطَرًّا إلَى الصَّيْدِ إلَّا حَتَّى لَا يَجِدَ غَيْرَهُ فَيَحِلُّ لَهُ حِينَئِذٍ. وَأَمَّا قَوْلُنَا: لَا مَعْنَى لِلتَّذْكِيَةِ فَلِأَنَّ الذَّكَاةَ إخْرَاجٌ لِحُكْمِ الْحَيَوَانِ عَلَى التَّحْرِيمِ بِكَوْنِهِ مَيْتَةً إلَى التَّحْلِيلِ بِكَوْنِهِ مُذَكًّى، وَكُلُّ مَا حَرَّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ الْحَيَوَانِ فَهُوَ مَيْتَةٌ؛ فَالتَّذْكِيَةُ لَا مَدْخَلَ لَهَا فِي الْمَيْتَةِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
[مَسْأَلَةٌ قَطَعَ الطَّرِيقَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَلَمْ يَجِدْ مَأْكَلًا إلَّا الْخَنَازِيرَ]
١٠٢٧ - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَحِلُّ شَيْءٌ مِمَّا ذَكَرْنَا لِمَنْ كَانَ فِي طَرِيقِ بَغْيٍ عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَوْ مُمْتَنِعًا مِنْ حَقٍّ، بَلْ كُلُّ ذَلِكَ حَرَامٌ عَلَيْهِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ مَا يَأْكُلُ فَلْيَتُبْ مِمَّا هُوَ فِيهِ وَلْيُمْسِكْ عَنْ الْبَغْيِ وَلْيَأْكُلْ حِينَئِذٍ وَلْيَشْرَبْ مِمَّا اُضْطُرَّ إلَيْهِ حَلَالًا لَهُ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَهُوَ عَاصٍ لِلَّهِ تَعَالَى فَاسِقٌ، آكِلُ حَرَامٍ. بُرْهَانُ ذَلِكَ -: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [المائدة: ٣] وَقَوْلُهُ: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ} [البقرة: ١٧٣] فَإِنَّمَا أَبَاحَ تَعَالَى مَا حَرَّمَهُ بِالضَّرُورَةِ مَنْ لَمْ يَتَجَانَفْ لِإِثْمٍ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ بَاغِيًا وَلَا عَادِيًا -: وَهَذَا قَوْلُ كُلِّ مَنْ نَعْلَمُهُ مِنْ الْعُلَمَاءِ إلَّا الْمَالِكِيِّينَ، فَإِنَّهُمْ قَالُوا فِيمَنْ قَطَعَ الطَّرِيقَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَانْتَظَرَ رِفَاقَهُمْ مِنْ الْمُحَارِبِينَ، وَحَاصَرَ قُرَاهُمْ وَمَدَنَهُمْ مِنْ الْبَاغِينَ لِسَفْكِ دِمَاءِ الْمُسْلِمِينَ، وَيَسْتَبِيحُ أَمْوَالَهُمْ وَفُرُوجَ الْمُسْلِمَاتِ ظُلْمًا وَعُدْوَانًا، فَلَمْ يَجِدْ مَأْكَلًا إلَّا الْخَنَازِيرَ وَالْمَيْتَاتِ -: أَنَّهُ مُبَاحٌ لَهُ أَكْلُهُ، فَأَعَانُوهُ عَلَى أَعْظَمِ الظُّلْمِ، وَأَشَدِّ الْبَغْيِ وَالْعُدْوَانِ وَالْعَجَبُ أَنَّهُمْ مَوَّهُوا هَهُنَا بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} [النساء: ٢٩] .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute