قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا مِنْ أَقْبَحِ مَا يَكُونُ مِنْ الْإِبْهَامِ وَمَا أَمَرْنَاهُ بِقَتْلِ نَفْسِهِ بَلْ بِمَا افْتَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ مِنْ التَّوْبَةِ، فَلْيَنْوِهَا بِقَلْبِهِ، وَلْيُمْسِكْ عَنْ الْبَغْيِ وَالِامْتِنَاعِ مِنْ الْحَقِّ بِيَدَيْهِ، ثُمَّ يَأْكُلُ مَا اُضْطُرَّ إلَيْهِ حَلَالًا لَهُ، وَمَا سَمِعْنَا بِقَوْلٍ أَقْبَحَ مِنْ قَوْلِهِمْ هَذَا أَنْ لَا يَأْمُرُوهُ بِالتَّوْبَةِ مِنْ الْبَغْيِ، وَيُبِيحُوا لَهُ التَّقَوِّي عَلَى الْإِفْسَادِ فِي الْأَرْضِ بِأَكْلِ الْمَيْتَةِ وَالْخِنْزِيرِ نَبْرَأُ إلَى اللَّهِ مِنْ هَذَا الْقَوْلِ -: رُوِّينَا عَنْ مُجَاهِدٍ {غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ} [البقرة: ١٧٣] غَيْرَ بَاغٍ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَلَا عَادٍ عَلَيْهِمْ - قَالَ مُجَاهِدٌ: وَمَنْ يَخْرُجُ لِقَطْعِ الطَّرِيقِ، أَوْ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ تَعَالَى، فَاضْطُرَّ إلَى الْمَيْتَةِ لَمْ تَحِلَّ لَهُ، إنَّمَا تَحِلُّ لِمَنْ خَرَجَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى، فَإِنْ اُضْطُرَّ إلَيْهَا فَلْيَأْكُلْ. وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ} [البقرة: ١٧٣] قَالَ: إذَا خَرَجَ فِي سَبِيلٍ مِنْ سُبُلِ اللَّهِ تَعَالَى فَاضْطُرَّ إلَى الْمَيْتَةِ أَكَلَ، وَإِنْ خَرَجَ إلَى قَطْعِ الطَّرِيقِ فَلَا رُخْصَةَ لَهُ.
وَمَوَّهُوا بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ سَلَمَةَ بْنِ سَابُورٍ عَنْ عَطِيَّةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ مَعْنَى الْبَاغِي، وَالْعَادِي، إنَّمَا هُوَ فِي الْأَكْلِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ لِوُجُوهٍ ثَلَاثَةٍ -: أَوَّلُهَا: أَنَّهُ لَا حُجَّةَ فِي قَوْلِ أَحَدٍ فِي تَخْصِيصِ الْقُرْآنِ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ إسْنَادٌ فَاسِدٌ لَا يَصِحُّ، لِأَنَّ سَلَمَةَ بْنَ سَابُورٍ ضَعِيفٌ، وَعَطِيَّةَ مَجْهُولٌ. وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ لَوْ صَحَّ لَكَانَ مُوَافِقًا لِقَوْلِنَا لَا لِقَوْلِهِمْ، لِأَنَّ الْبَاغِيَ فِي الْأَكْلِ، وَالْعَادِيَ فِيهِ: هُوَ مِنْ أَكْلِهِ فِيمَا لَمْ يُبَحْ لَهُ، وَآكِلُهُ فِي الْبَغْيِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ بَاغٍ فِي الْأَكْلِ وَعَادٍ فِيهِ، وَهَكَذَا نَقُولُ. وَمَا قَالَ قَطُّ أَحَدٌ نَعْلَمُهُ قَبْلَهُمْ: أَنَّ مَنْ خَرَجَ مُفْسِدًا فِي الْأَرْضِ فَاضْطُرَّ إلَى الْمَيْتَةِ فَلَهُ أَكْلُهَا مُصِرًّا عَلَى إفْسَادِهِ مُتَقَوِّيًا عَلَى ظُلْمِ الْمُسْلِمِينَ، وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الْخِذْلَانِ. وَقَالَ قَائِلُونَ: لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ ذَلِكَ إلَّا مَا يُمْسِكُ رَمَقَهُ؟ قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا خَطَأٌ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى اسْتَثْنَى الْمُضْطَرَّ مِنْ التَّحْرِيمِ، فَهُوَ بِلَا شَكٍّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute