للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قُلْنَا: هُوَ مُتَعَدٍّ فِي اتِّخَاذِهِ - فِي كِلْتَا الْحَالَتَيْنِ - ظَالِمٌ إلَّا أَنَّهُ لَيْسَ مُتَعَدِّيًا فِي إتْلَافِ مَا أَتْلَفَ الْكَلْبُ، وَلَا أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا رَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَطُّ عَلَى ظَالِمٍ غَرَامَةً مُطْلَقَةً.

وَقَدْ قُلْنَا: إنَّ التَّعَدِّيَ الْمُوجِبَ لِلضَّمَانِ، أَوْ لِلْقَوَدِ، أَوْ لِلدِّيَةِ، هُوَ مَا سُمِّيَ بِهِ الْمَرْءُ " قَاتِلًا، أَوْ مُفْسِدًا " وَلَيْسَ كَذَلِكَ، إلَّا بِالْمُبَاشَرَةِ، أَوْ بِالْأَمْرِ، وَهِيَ فِي اتِّخَاذِهِ الْكَلْبَ، كَمَنْ عَمِلَ سَيْفًا وَأَعْطَاهُ لِظَالِمٍ، أَوْ اقْتَنَى خَمْرًا فِي خَابِيَةٍ فَجَلَسَ إنْسَانٌ إلَيْهَا فَانْكَسَرَتْ فَقَتَلَتْ الْإِنْسَانَ؟ فَكُلُّ هَذَا لَيْسَ يُسَمِّي هَذَا الظَّالِمَ " قَاتِلًا، وَلَا مُتْلِفًا " فَلَا ضَمَانَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ.

وَعَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّهُ قَالَ فِي رَجُلٍ جَمَحَ بِهِ فَرَسُهُ فَقَتَلَ رَجُلًا، قَالَ: يَضْمَنُ، هُوَ بِمَنْزِلَةِ الَّذِي رَمَى بِسَهْمِهِ طَائِرًا فَأَصَابَ رَجُلًا فَقَتَلَهُ.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: إذَا جَمَحَ بِهِ فَرَسُهُ، فَإِنْ كَانَ هُوَ الْمُحَرِّكُ لَهُ، الْمُغَالِبُ لَهُ، فَإِنَّهُ يَضْمَنُ كُلَّ مَا جَنَى بِتَحْرِيكِهِ إيَّاهُ، فِي الْقَصْدِ الْقَوَدُ وَفِيمَا لَمْ يَقْصِدْهُ ضَمَانُ الْخَطَأ - وَأَمَّا إذَا غَلَبَتْهُ دَابَّتُهُ فَلَمْ يَحْمِلْهَا عَلَى شَيْءٍ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ أَصْلًا فِي كُلِّ مَا أَصَابَتْ.

وَلَوْ أَنَّ امْرَأً اتَّبَعَ حَيَوَانًا لِيَأْخُذَهُ؟ فَكُلُّ مَا أَفْسَدَ الْحَيَوَانُ فِي هُرُوبِهِ ذَلِكَ، مِمَّا هُوَ حَامِلُهُ عَلَيْهِ، مِمَّا يُوقَنُ أَنَّ ذَلِكَ الْحَيَوَانَ إنَّمَا يَرَاهُ وَيَهْرُبُ عَنْهُ: فَهُوَ ضَامِنٌ لَهُ مَا عَمَدَ وَقَصَدَ بِالْقَوَدِ، وَمَا لَمْ يَقْصِدْ: فَالدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَالْكَفَّارَةُ عَلَيْهِ - وَأَمَّا مَا أَتْلَفَ ذَلِكَ الْحَيَوَانُ فِي جَرْيِهِ - وَهُوَ لَا يَرَاهُ - فَلَا ضَمَانَ عَلَى مُتَّبِعِهِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

[مَسْأَلَةٌ هَيَّجَ كَلْبًا أَوْ أَطْلَقَ أَسَدًا أَوْ أَعْطَى أَحْمَقَ سَيْفًا فَقَتَلَ رَجُلًا]

٢١١٥ - مَسْأَلَةٌ: وَلَوْ أَنَّ إنْسَانًا هَيَّجَ كَلْبًا، أَوْ أَطْلَقَ أَسَدًا، أَوْ أَعْطَى أَحْمَقَ سَيْفًا فَقَتَلَ رَجُلًا: كُلُّ مَنْ ذَكَرْنَا فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُهَيِّجِ، وَلَا عَلَى الْمُطْلِقِ، وَلَا عَلَى الْمُعْطِي السَّيْفَ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يُبَاشِرُوا الْجِنَايَةَ، وَلَا أَمَرُوا بِهَا مَنْ يُطِيعُهُمْ.

فَلَوْ أَنَّهُ أَشْلَى الْكَلْبَ عَلَى إنْسَانٍ، أَوْ حَيَوَانٍ فَقَتَلَهُ: ضَمِنَ الْمَالَ وَعَلَيْهِ الْقَوَدُ مِثْلُ ذَلِكَ، وَيُطْلَقُ عَلَيْهِ كَلْبٌ مِثْلُهُ حَتَّى يَفْعَلَ بِهِ مِثْلَ مَا فَعَلَ الْكَلْبُ بِإِطْلَاقِهِ، لِأَنَّهُ هَاهُنَا هُوَ الْجَانِي الْقَاصِدُ إلَى إتْلَافِ مَا أَتْلَفَ الْكَلْبُ بِإِغْرَائِهِ.

وَلَوْ أَنَّ امْرَأً حَفَرَ حُفْرَةً وَغَطَّاهَا، وَأَمَرَ إنْسَانًا أَنْ يَمْشِيَ عَلَيْهَا، فَمَشَى عَلَيْهَا ذَلِكَ الْإِنْسَانُ مُخْتَارًا لِلْمَشْيِ - عَالِمًا، أَوْ غَيْرَ عَالَمٍ -: فَلَا ضَمَانَ عَلَى آمِرِهِ بِالْمَشْيِ، وَلَا

<<  <  ج: ص:  >  >>