ذَلِكَ الْعَمَلِ نَفْسِهِ، فَإِذَا جَمَعْنَا لَهُمْ الْقَوْلَيْنِ لَاحَ لَهُمْ تَنَاقُضُهُمْ فِيهَا - فَعَلَى هَذَا نُورِدُ مِثْلَ هَذِهِ الْمَسَائِلِ لَا عَلَى أَنَّهَا حُجَّةٌ قَائِمَةٌ بِنَفْسِهَا، وَإِنَّمَا الْحُجَّةُ فِي هَذَا قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ «جُرْحُ الْعَجْمَاءِ جُبَارٌ» . وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ عَنْ حَجَّاجٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ كَعْبِ بْنِ سَوَّارٍ: أَنَّ رَجُلًا كَانَ عَلَى حِمَارٍ فَاسْتَقْبَلَهُ رَجُلٌ عَلَى بَعِيرٍ فِي زُقَاقٍ فَنَفَرَ الْحِمَارُ فَصُرِعَ الرَّجُلُ فَأَصَابَهُ شَيْءٌ؟ فَلَمْ يُضَمِّنْ كَعْبُ بْنُ سَوَّارٍ صَاحِبَ الْبَعِيرِ شَيْئًا؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا كَمَا قُلْنَا - وَعَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ طَارِقٍ قَالَ: كُنْت عِنْدَ شُرَيْحٍ فَأَتَاهُ سَائِلٌ فَقَالَ: إنِّي دَخَلْت دَارَ قَوْمٍ فَعَقَرَنِي كَلْبُهُمْ وَخَرَقَ جِرَابِي؟ فَقَالَ: إنْ كُنْت دَخَلْت بِإِذْنِهِمْ فَهُمْ ضَامِنُونَ، وَإِنْ كُنْت دَخَلْت بِغَيْرِ إذْنِهِمْ فَلَيْسَ عَلَيْهِمْ شَيْءٌ.
وَعَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ: إذَا كَانَ الْكَلْبُ فِي الدَّارِ فَأَذِنَ أَهْلُ الدَّارِ لِلرَّجُلِ فَعَقَرَهُ الْكَلْبُ ضَمِنُوا، وَإِنْ دَخَلَ بِغَيْرِ إذْنٍ فَعَقَرَهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ - وَأَيُّمَا قَوْمٍ غَشَوْا غَنَمًا فِي مَرَابِضِهَا فَعَقَرَتْهُمْ الْكِلَابُ فَلَا ضَمَانَ عَلَى أَصْحَابِ الْغَنَمِ، وَإِنْ عَرَضَتْ لَهُمْ الْكِلَابُ فِي الطَّرِيقِ فَعَقَرَتْهُمْ الْكِلَابُ فِي الطَّرِيقِ ضَمِنُوا.
وَأَمَّا الْمُتَأَخِّرُونَ - فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ، وَالْحَسَنَ بْنَ حَيٍّ، وَالشَّافِعِيَّ، وَأَبَا سُلَيْمَانَ، قَالُوا: مَنْ كَانَ فِي دَارِهِ كَلْبٌ فَدَخَلَ إنْسَانٌ بِإِذْنِهِ أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَقَتَلَهُ الْكَلْبُ فَلَا ضَمَانَ فِي ذَلِكَ - وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ.
وَقَدْ رَوَى الْوَاقِدِيُّ نَحْوَ هَذَا عَنْ مَالِكٍ - وَرَوَى عَنْهُ ابْنُ وَهْبٍ: أَنَّهُ قَالَ: إنْ اتَّخَذَ الْكَلْبَ وَهُوَ يَدْرِي أَنَّهُ يَعْقِرُ النَّاسَ ضَمِنَ - وَأَنَّهُ إنْ لَمْ يَعْلَمْ ذَلِكَ لَمْ يَضْمَنْ - إلَّا أَنْ يَتَقَدَّمَ إلَيْهِ السُّلْطَانُ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: اشْتِرَاطُ تَقَدُّمِ السُّلْطَانِ، أَوْ عِلْمِهِ بِأَنَّهُ عَقُورٌ لَا مَعْنَى لَهُ، لِأَنَّهُ لَمْ يُوجِبْ هَذَا نَصُّ قُرْآنٍ وَلَا سُنَّةٍ وَلَا إجْمَاعٌ.
فَإِنْ قِيلَ: إنَّهُ بِاِتِّخَاذِهِ الْكَلْبَ الْعَقُورَ مُتَعَدٍّ - وَكَذَلِكَ هُوَ بِاِتِّخَاذِهِ حَيْثُ لَمْ يُبَحْ لَهُ اتِّخَاذُهُ مُتَعَدٍّ أَيْضًا؟
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute