للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَهَلَّا قَاسُوا الْحَالِفَ عَامِدًا لِلْكَذِبِ حَانِثًا عَاصِيًا عَلَى الْحَالِفِ أَنْ لَا يَعْصِيَ، فَحَنِثَ عَاصِيًا، أَوْ عَلَى مَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَبَرَّ فَبَرَّ: غَيْرَ عَاصٍ فِي إيجَابِ الْكَفَّارَةِ فِي كُلِّ ذَلِكَ؟ وَلَكِنَّ هَذَا مِقْدَارُ عِلْمِهِمْ وَقِيَاسِهِمْ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

[مَسْأَلَةٌ الْيَمِينُ فِي الْغَضَبِ]

١١٣٥ - مَسْأَلَةٌ

وَالْيَمِينُ فِي الْغَضَبِ وَالرِّضَا، وَعَلَى أَنْ يُطِيعَ، أَوْ عَلَى أَنْ يَعْصِيَ، أَوْ عَلَى مَا لَا طَاعَةَ فِيهِ وَلَا مَعْصِيَةَ سَوَاءٌ فِي كُلِّ مَا ذَكَرْنَا إنْ تَعَمَّدَ الْحِنْثَ فِي كُلِّ ذَلِكَ فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ، وَإِنْ لَمْ يَتَعَمَّدْ الْحِنْثَ، أَوْ لَمْ يَعْقِدْ الْيَمِينَ بِقَلْبِهِ فَلَا كَفَّارَةَ فِي ذَلِكَ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ} [المائدة: ٨٩] فَالْكَفَّارَةُ وَاجِبَةٌ فِي كُلِّ حِنْثٍ قَصَدَهُ الْمَرْءُ.

وَقَدْ اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي ذَلِكَ -: فَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ لَغْوَ الْيَمِينِ هُوَ الْيَمِينُ فِي الْغَضَبِ وَلَا كَفَّارَةَ فِيهَا.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا قَوْلٌ لَا دَلِيلَ عَلَى صِحَّتِهِ، بَلْ الْبُرْهَانُ قَائِمٌ بِخِلَافِهِ -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نا أَبُو مَعْمَرٍ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو هُوَ الرَّقِّيِّ - نا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سَعِيدٍ التَّنُّورِيُّ نا أَيُّوبُ هُوَ السِّخْتِيَانِيُّ - نا الْقَاسِمُ بْنُ عَاصِمٍ عَنْ زَهْدَمٍ الْجَرْمِيِّ عَنْ أَبِي مُوسَى أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ «أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي نَفَرٍ مِنْ الْأَشْعَرِيِّينَ فَوَافَقْتُهُ وَهُوَ غَضْبَانُ فَاسْتَحْمَلْنَاهُ فَحَلَفَ أَنْ لَا يَحْمِلَنَا - ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاَللَّهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ لَا أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ فَأَرَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا إلَّا أَتَيْتُ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَتَحَلَّلْتُهَا» .

فَصَحَّ وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ فِي الْيَمِينِ فِي الْغَضَبِ قَالَ تَعَالَى: {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ} [المائدة: ٨٩] وَالْحَالِفُ فِي الْغَضَبِ مُعَقِّدٌ لِيَمِينِهِ فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ.

وَأَمَّا الْيَمِينُ فِي الْمَعْصِيَةِ -: فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ: أَنَّ رَجُلًا أَضَافَهُ رَجُلٌ فَحَلَفَ أَنْ يَأْكُلَ، فَحَلَفَ الضَّيْفُ أَنْ لَا يَأْكُلَ، فَقَالَ لَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ: كُلْ وَإِنِّي لَا أَظُنُّ أَنَّ أَحَبَّ إلَيْك أَنْ تُكَفِّرَ عَنْ يَمِينِك - فَلَمْ يَرَ الْكَفَّارَةَ فِي ذَلِكَ إلَّا اسْتِحْبَابًا.

وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ دَاوُد بْنِ هِنْدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَابِسٍ أَنَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>