للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَالَ مَالِكٌ: مَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَ لَحْمًا فَأَكَلَ شَحْمًا حَنِثَ، وَمَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَ شَحْمًا فَأَكَلَ لَحْمًا يَحْنَثُ: وَاحْتَجَّ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا} [الأنعام: ١٤٦] قَالُوا: فَكَانَ ذَلِكَ عَلَى شَحْمِ الْبَطْنِ خَاصَّةً.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا احْتِجَاجٌ مُحَالٌ عَنْ مَوْضِعِهِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَخُصَّ شَحْمَ الْبَطْنِ بِالتَّحْرِيمِ عَلَيْهِمْ بِنَفْسِ هَذَا اللَّفْظِ لَكِنْ بِمَا بَعْدَهُ مِنْ قَوْله تَعَالَى: {إِلا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ} [الأنعام: ١٤٦] فَبِهَذَا خَصَّ شَحْمَ الْبَطْنِ بِالتَّحْرِيمِ وَلَوْلَا ذَلِكَ لَحُرِّمَتْ الشُّحُومُ كُلُّهَا فَالْآيَةُ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ.

وَاحْتَجَّ الْمَالِكِيُّونَ بِأَنْ قَالُوا: حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى لَحْمَ الْخِنْزِيرِ فَحَرَّمَ شَحْمَهُ، وَحَرَّمَ عَلَى بَنِي إسْرَائِيلَ الشَّحْمَ فَلَمْ يُحَرِّمْ اللَّحْمَ.

وَقَالُوا: الشَّحْمُ مُتَوَلِّدٌ مِنْ اللَّحْمِ وَلَيْسَ اللَّحْمُ مُتَوَلِّدًا مِنْ الشَّحْمِ.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَانِ الِاحْتِجَاجَانِ فِي غَايَةِ التَّمْوِيهِ بِالْبَاطِلِ، لِأَنَّ تَحْرِيمَ شَحْمِ الْخِنْزِيرِ لَمْ يُحَرَّمْ مِنْ أَجْلِ تَحْرِيمِ لَحْمِهِ، لَكِنْ بِبُرْهَانٍ آخَرَ قَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي " بَابِ مَا يَحِلُّ أَكْلُهُ وَيُحَرَّمُ ".

وَلَوْ كَانَ تَحْرِيمُ شَحْمِ الْخِنْزِيرِ مِنْ أَجْلِ تَحْرِيمِ لَحْمِهِ دَلِيلًا عَلَى أَنَّ مَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَ لَحْمًا فَأَكَلَ شَحْمًا حَنِثَ - لَكَانَ تَحْرِيمُ لَبَنِ الْخِنْزِيرَةِ وَعَظْمِهَا عَلَى قَوْلِهِمْ مِنْ أَجْلِ تَحْرِيمِ لَحْمِهَا مُوجِبًا لِلْحِنْثِ عَلَى مَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَ لَحْمًا فَشَرِبَ لَبَنًا وَلَا فَرْقَ، وَهُمْ لَا يَقُولُونَ هَذَا.

وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إنَّ الشَّحْمَ تَوَلَّدَ مِنْ اللَّحْمِ، فَيُقَالُ لَهُمْ فَكَانَ مَاذَا؟ أَلَيْسَ اللَّحْمُ، وَاللَّبَنُ مُتَوَلِّدَيْنِ مِنْ الدَّمِ، وَالدَّمُ حَرَامٌ، وَهُمَا حَلَالَانِ؟ أَوَلَيْسَ الْخَمْرُ مُتَوَلِّدَةً مِنْ الْعَصِيرِ وَالْخَلُّ مُتَوَلِّدَةً مِنْ الْخَمْرِ وَهِيَ حَرَامٌ، وَمَا تَوَلَّدَتْ مِنْهُ حَلَالٌ، وَمَا تَوَلَّدَ مِنْهَا حَلَالٌ، فَبَطَلَ قَوْلُهُمْ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

[مَسْأَلَةٌ حَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَ رَأْسًا]

١١٦٥ - مَسْأَلَةٌ

وَمَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَ رَأْسًا لَمْ يَحْنَثْ بِأَكْلِ رُءُوسِ الطَّيْرِ، وَلَا رُءُوسِ السَّمَكِ، وَلَا يَحْنَثُ إلَّا بِأَكْلِ رُءُوسِ الْغَنَمِ، وَالْمَاعِزِ، فَإِنْ كَانَ أَهْلُ مَوْضِعِهِ لَا يُطْلِقُونَ اسْمَ الرُّءُوس فِي الْبَيْعِ وَالْأَكْلِ عَلَى رُءُوسِ الْإِبِلِ، وَالْبَقَرِ لَمْ يَحْنَثْ

<<  <  ج: ص:  >  >>