أَوَّلُ ذَلِكَ: أَنَّهُ عَنْ رَجُلٍ لَمْ يُسَمَّ وَلَا يُدْرَى أَصَحَّتْ صُحْبَتُهُ أَمْ لَا؟ وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَوْ صَحَّ لَكَانَ حُجَّةً لَنَا لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَسْتَحِلَّ أَكْلَهُ وَلَا أَبَاحَ لِأَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَكْلَ شَيْءٍ مِنْهُ، بَلْ أَمَرَ بِأَنْ يُطْعِمَ الْكُفَّارَ الْمُسْتَحِلِّينَ لِلْمَيْتَةِ، وَلَعَلَّ أُولَئِكَ الْأُسَارَى كَانُوا مَرْضَى يَحِلُّ لَهُمْ التَّدَاوِي بِالْمَيْتَةِ، مَعَ أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ غَصْبًا وَلَا مَسْرُوقَةً، وَإِنَّمَا أَخَذَتْهَا بِشِرَاءٍ صَحِيحٍ عِنْدَ نَفْسِهَا، لَكِنْ لَمَّا لَمْ يَكُنْ بِإِذْنِ مَالِكِهَا لَمْ يَحِلَّ أَكْلُهَا لِمُسْلِمٍ، فَبَطَلَ تَمْوِيهُهُمْ بِهَذَا الْخَبَرِ.
وَلَا شَكَّ فِي أَنَّ تِلْكَ الشَّاةَ مَضْمُونَةٌ عَلَى الْمَرْأَةِ، وَذَلِكَ مَنْصُوصٌ فِي الْخَبَرِ مِنْ قَوْلِ الْمَرْأَةِ " ابْعَثْهَا إلَيَّ بِثَمَنِهَا " وَنَحْنُ نَأْتِيهِمْ مِنْ هَذِهِ الطَّرِيقِ بِعَيْنِهَا بِمَا هُوَ حُجَّةٌ مُبَيَّنَةٌ عَلَيْهِمْ لَنَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ -:
رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد السِّجِسْتَانِيِّ نَا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ حَدَّثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ هُوَ سَلَّامُ بْنُ سُلَيْمٍ - عَنْ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ رَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ قَالَ «خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي سَفَرٍ فَأَصَابَ النَّاسَ حَاجَةٌ شَدِيدَةٌ وَجَهْدٌ، فَأَصَابُوا غَنَمًا فَانْتَهَبُوهَا، فَإِنَّ قُدُورَنَا لَتَغْلِي، إذْ جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَمْشِي عَلَى قَوْسِهِ فَأَكْفَأَ قُدُورَنَا بِقَوْسِهِ ثُمَّ جَعَلَ يُرَمِّلُ اللَّحْمَ بِالتُّرَابِ - ثُمَّ قَالَ: إنَّ النُّهْبَةَ لَيْسَتْ بِأَحَلَّ مِنْ الْمَيْتَةِ، أَوْ إنَّ الْمَيْتَةَ لَيْسَتْ بِأَحَلَّ مِنْ النُّهْبَةِ؛ شَكَّ أَبُو الْأَحْوَصِ فِي أَيَّتِهِمَا قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -» .
فَهَذَا ذَلِكَ الْإِسْنَادُ نَفْسُهُ بِبَيَانٍ لَا إشْكَالَ فِيهِ مِنْ إفْسَادِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - اللَّحْمَ الْمَذْبُوحَ مُنْتَهَبًا غَيْرَ مَقْسُومٍ وَخَلَطَهُ بِالتُّرَابِ.
فَصَحَّ يَقِينًا أَنَّهُ حَرَامٌ بَحْتٌ لَا يَحِلُّ أَصْلًا، إذْ لَوْ حَلَّ لَمَا أَفْسَدَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -؛ فَمِنْ الْعَجَائِبِ أَنْ تَكُونَ طَرِيقٌ وَاحِدَةٌ حُجَّةً فِيمَا لَا بَيَانَ فِيهَا مِنْهُ، وَلَا تَكُونُ حُجَّةً فِيمَا فِيهَا الْبَيَانُ الْجَلِيُّ مِنْهُ.
وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ طَاوُسٍ، وَعِكْرِمَةَ النَّهْيَ عَنْ أَكْلِ ذَبِيحَةِ السَّارِقِ وَهُوَ قَوْلُ إِسْحَاقَ ابْنِ رَاهْوَيْهِ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابِهِ، وَلَا نَعْلَمُ خِلَافَ قَوْلِنَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَلَا عَنْ تَابِعٍ إلَّا عَنْ الزُّهْرِيِّ، وَرَبِيعَةَ وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، فَقَطْ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
[مَسْأَلَة أَكْلُ مَا ذُبِحَ أَوْ نُحِرَ فَخْرًا أَوْ مُبَاهَاةً]
١٠٠٨ - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَحِلُّ أَكْلُ مَا ذُبِحَ أَوْ نُحِرَ فَخْرًا أَوْ مُبَاهَاةً لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute