كَتَمَهُ عَنْهُمْ وَلَمْ يُبَيِّنْهُ رَسُولُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَهُمْ، وَأَنَّهُ تَعَالَى لَمْ يَكِلْنَا فِيمَا حَرَّمَ عَلَيْنَا إلَى ظُنُونِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ، الشَّافِعِيِّ، أَوْ غَيْرِهِمْ، وَلَا إلَى ظُنُونِنَا وَلَا إلَى ظَنِّ أَحَدٍ، وَلَا إلَى دَعَاوَى لَا بُرْهَانَ عَلَيْهَا.
وَمَا وَجَدْنَا عَنْ أَحَدٍ قَبْلَ مَالِكٍ الْمَنْعَ مِنْ بَيْعِ الزَّيْتُونِ بِالزَّيْتِ ثُمَّ اتَّبَعَهُ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يُصَرِّحْ بِهِ، وَأَجَازَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ إذَا كَانَ الزَّيْتُ أَكْثَرَ مِمَّا فِي الزَّيْتُونِ مِنْ الزَّيْتِ وَإِلَّا فَلَا.
فَإِنْ قَالُوا: هِيَ مُزَابَنَةٌ؟ قُلْنَا: قُلْتُمْ الْبَاطِلَ، قَدْ فَسَّرَ الْمُزَابَنَةَ: أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ، وَجَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَهُمْ أَعْلَمُ النَّاسِ بِاللُّغَةِ وَبِالدِّينِ فَلَمْ يَذْكُرُوا شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الْوُجُوهِ فِيهِ أَصْلًا
فَإِنْ قَالُوا: قِسْنَا ذَلِكَ عَلَى الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ، وَالزَّبِيبِ بِالْعِنَبِ كَيْلًا؟ قُلْنَا: الْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ، ثُمَّ هَذِهِ مِنْهُ عَيْنُ الْبَاطِلِ، لِأَنَّ الزَّبِيبَ هُوَ عَيْنُ الْعِنَبِ نَفْسِهِ، إلَّا أَنَّهُ يَبِسَ، وَالتَّمْرُ هُوَ عَيْنُ الرُّطَبِ إلَّا أَنَّهُ يَابِسٌ وَالزَّيْتُ هُوَ شَيْءٌ آخَرُ غَيْرُ الزَّيْتُونِ لَكِنَّهُ خَارِجٌ مِنْهُ كَخُرُوجِ اللَّبَنِ مِنْ الْغَنَمِ، وَالتَّمْرِ مِنْ النَّخْلِ، وَبَيْعُ كُلِّ ذَلِكَ بِمَا يَخْرُجُ مِنْهُ: جَائِزٌ بِلَا خِلَافٍ. فَهَذَا أَصَحُّ فِي الْقِيَاسِ لَوْ صَحَّ الْقِيَاسُ يَوْمًا مَا.
وَقَدْ ذَكَرْنَا أَقْوَالَهُمْ الْمُخْتَلِفَةَ الْمُتَنَاقِضَةَ وَكُلُّ قَوْلٍ مِنْهَا يُكَذِّبُ قَوْلَ الْآخَرِ وَيُبْطِلُهُ، وَيَشْهَدُ عَلَيْهِ بِالْخَطَأِ، كُلُّ ذَلِكَ بِلَا بُرْهَانٍ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ عَلَى عَظِيمِ نِعَمِهِ عَلَيْنَا كَثِيرًا، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ وَأَصْحَابِنَا.
وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا عُبَيْدَةُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ مُطَرِّفٍ هُوَ ابْنُ طَرِيفٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ: أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ السَّوِيقِ بِالْحِنْطَةِ؟ فَقَالَ: إنْ لَمْ يَكُنْ رِبًا فَهُوَ رِيبَةٌ.
وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا جَرِيرٌ عَنْ لَيْثٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: لَا بَأْسَ بِالْحِنْطَةِ بِالسَّوِيقِ، وَالدَّقِيقِ بِالْحِنْطَةِ وَالسَّوِيقِ، فَلَمْ يَشْتَرِطْ الْمُمَاثَلَةَ، وَقَدْ ذَكَرْنَا أَقْوَالَ الصَّحَابَةِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ فِي الْمُزَابَنَةِ فَأَغْنَى عَنْ تَكْرَارِهِ
[مَسْأَلَة أَخَذَ الدَّرَاهِم عَنْ الدَّنَانِير أَوْ الدَّنَانِير عَنْ الدَّرَاهِم]
١٤٩٢ -
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute