فَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ إيجَابُ غَرَامَةٍ عَلَى أَحَدٍ إلَّا أَنْ يُوجِبَهَا نَصٌّ صَحِيحٌ، أَوْ إجْمَاعٌ مُتَيَقَّنٌ - فَأَمَّا النَّصُّ الصَّحِيحُ فَقَدْ أَمِنَّا وُجُودَهُ بِيَقِينٍ هَاهُنَا، فَكُلُّ مَا رُوِيَ فِي ذَلِكَ مُنْذُ أَرْبَعِمِائَةِ عَامٍ وَنَيِّفٍ وَأَرْبَعِينَ عَامًا مِنْ شَرْقِ الْأَرْضِ إلَى غَرْبِهَا قَدْ جَمَعْنَاهُ فِي الْكِتَابِ الْكَبِيرِ الْمَعْرُوفِ بِ " كِتَابِ الْإِيصَالِ " وَلِلَّهِ الْحَمْدُ - وَهُوَ الَّذِي أَوْرَدْنَا مِنْهُ مَا شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، فَإِنْ وُجِدَ شَيْءٌ غَيْرُ ذَلِكَ فَمَا لَا خَيْرَ فِيهِ أَصْلًا، لَكِنْ مِمَّا لَعَلَّهُ مَوْضُوعٌ مُحْدَثٌ.
وَأَمَّا الْإِجْمَاعُ - فَلَسْنَا نَعْرِفُهُ، وَقَدْ قَالَتْ الْمَلَائِكَةُ {لا عِلْمَ لَنَا إِلا مَا عَلَّمْتَنَا} [البقرة: ٣٢] وَلَوْ صَحَّ عِنْدَنَا فِي ذَلِكَ إجْمَاعٌ لَبَادَرْنَا إلَى الطَّاعَةِ لَهُ، وَمَا تَرَدَّدْنَا فِي ذَلِكَ طَرْفَةَ عَيْنٍ، فَمَنْ صَحَّ عِنْدَهُ فِي ذَلِكَ إجْمَاعٌ فَلْيَتَّقِ اللَّهَ وَلَا يُخَالِفْهُ، وَمَنْ لَمْ يَصِحَّ عِنْدَهُ إجْمَاعٌ وَلَا نَصٌّ، فَفَرْضُهُ التَّوَقُّفُ، وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَكْذِبَ فَيَدَّعِيَ إجْمَاعًا.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: ثُمَّ نَقُولُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ: إنَّهُ لَوْ صَحَّ فِي ذَلِكَ إجْمَاعٌ بِأَنَّ فِيهَا خَمْسًا، فَوَجْهُ الْعَمَلِ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ صَحَّ الْإِجْمَاعُ الْمُتَيَقَّنُ عَلَى أَنَّ فِي الثَّنِيَّةِ خَمْسًا مِنْ الْإِبِلِ، فَوَاجِبٌ كَانَ أَنْ يَكُونَ فِي كُلِّ سِنٍّ، وَكُلِّ ضِرْسٍ خَمْسٌ خَمْسٌ، لِأَنَّهُ قَدْ صَحَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الْأَسْنَانُ سَوَاءٌ، الثَّنِيَّةُ وَالضِّرْسُ سَوَاءٌ» .
وَهَذَا الْعُمُومُ لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ خِلَافُهُ، وَلَا تَخْصِيصُهُ، فَوَاجِبٌ حَمْلُهُ عَلَى ظَاهِرِهِ، وَأَنَّهُ فِي الْقِصَاصِ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ فِي الْقُرْآنِ، وَأَمَرَ هُوَ بِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِلَا شَكٍّ.
وَأَمَّا فِي الْعَمْدِ فَجَائِزٌ تَرَاضِي الْكَاسِرِ وَالْمَكْسُورِ سِنُّهُ، وَالْقَالِعِ وَالْمَقْلُوعِ سِنُّهُ عَلَى الْفِدَاءِ فِي ذَلِكَ، عَلَى مَا صَحَّ وَثَبَتَ فِي حَدِيثِ الرُّبَيِّعِ.
وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
[مَسْأَلَةٌ دِيَة الضِّرْس تَسْوَدّ وَتَرْجُفُ]
الضِّرْسُ تَسْوَدُّ وَتَرْجُفُ قَالَ عَلِيٌّ: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ فِي السِّنِّ: يُسْتَأْنَى بِهَا سَنَةً، فَإِنْ اسْوَدَّتْ فَفِيهَا الْعَقْلُ كَامِلًا، وَإِلَّا فَمَا اسْوَدَّ مِنْهَا فَبِالْحِسَابِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute