الْمَقْتُولَةِ عَلَى عَصَبَةِ الْقَاتِلَةِ، وَغُرَّةً لِمَا فِي بَطْنِهَا، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ عَصَبَةِ الْقَاتِلَةِ: أَنَغْرَمُ دِيَةَ مَنْ لَا أَكَلَ وَلَا نَطَقَ وَلَا اسْتَهَلَّ، فَمِثْلُ ذَلِكَ يُطَلُّ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَسَجْعٌ كَسَجْعِ الْأَعْرَابِ وَجَعَلَ عَلَيْهِمْ الدِّيَةَ» فَهَذَا نَصُّ حُكْمِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِبَرَاءَةِ الْجَانِيَةِ مِنْ الدِّيَةِ جُمْلَةً، وَأَنَّ مِيرَاثَهَا لِزَوْجِهَا وَبَنِيهَا، لَا مَدْخَلَ لِلْغَرَامَةِ فِيهِ، وَالدِّيَةُ عَلَى عَصَبَتِهَا، وَهِيَ لَيْسَتْ عَصَبَةً لِنَفْسِهَا، لَا فِي شَرِيعَةٍ، وَلَا فِي لُغَةٍ.
فَصَحَّ يَقِينًا أَنَّهُ لَا يَغْرَمُ الْجَانِي خَطَأً مِنْ دِيَةِ النَّفْسِ، وَلَا مِنْ الْغُرَّةِ شَيْئًا؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَإِنْ عَجَزَتْ الْعَاقِلَةُ: فَالدِّيَةُ، وَالْغُرَّةُ عَلَى جَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ فِي سَهْمِ الْغَارِمِينَ مِنْ الزَّكَاةِ؛ لِأَنَّهُمْ غَارِمُونَ، فَحَقُّهُمْ فِي سَهْمِ الْغَارِمِينَ بِنَصِّ الْقُرْآنِ وَلِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَكَمَ بِالدِّيَةِ عَلَى أَوْلِيَائِهَا.
وَبُرْهَانٌ آخَرُ: وَهُوَ أَنَّ الْأَمْوَالَ مُحَرَّمَةٌ إلَّا بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ، وَقَدْ صَحَّ النَّصُّ وَإِجْمَاعُ أَهْلِ الْحَقِّ عَلَى أَنَّ الْعَاقِلَةَ تَغْرَمُ الدِّيَةَ، وَلَمْ يَأْتِ نَصٌّ وَلَا إجْمَاعٌ بِأَنَّ الْقَاتِلَ يَغْرَمُ مَعَهُمْ شَيْئًا، فَلَمْ يَحِلَّ أَنْ يُخْرَجَ مِنْ مَالِهِ شَيْءٌ، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالْعَجَبُ مِنْ احْتِجَاجِهِمْ بِعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَهُمْ قَدْ خَالَفُوهُ فِي هَذَا الْمَكَانِ نَفْسِهِ، وَفِي غَيْرِهِ، فَمِمَّا حَضَرَنَا ذِكْرُهُ مِنْ ذَلِكَ: مَا رُوِّينَاهُ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ: أَنَّ رَجُلًا فَقَأَ عَيْنَ نَفْسِهِ خَطَأً، فَقَضَى لَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ بِالدِّيَةِ فِيهَا عَلَى الْعَاقِلَةِ - وَهُمْ لَا يَقُولُونَ بِهَذَا؟ .
[مَسْأَلَة كَمْ يَغْرَمُ كُلُّ رَجُلٍ مِنْ الْعَاقِلَةِ]
٢١٤٧ - مَسْأَلَةٌ: كَمْ يَغْرَمُ كُلُّ رَجُلٍ مِنْ الْعَاقِلَةِ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قَدْ قُلْنَا: مِنْ الْعَاقِلَةِ.
ثُمَّ وَجَبَ النَّظَرُ: أَيَدْخُلُ فِيهَا: الصِّبْيَانُ، وَالْمَجَانِينُ، وَالنِّسَاءُ، وَالْفُقَرَاءُ أَمْ لَا؟ فَنَظَرْنَا فِي ذَلِكَ بِعَوْنِ اللَّهِ تَعَالَى فَوَجَدْنَا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا قَضَى بِالدِّيَةِ عَلَى الْعَصَبَةِ، وَلَيْسَ النِّسَاءُ عَصَبَةً أَصْلًا، وَلَا يَقَعُ عَلَيْهِنَّ هَذَا الِاسْمُ، وَالْأَمْوَالُ مُحَرَّمَةٌ إلَّا بِنَصٍّ، أَوْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute