للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَإِنْ قِيلَ: قَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ أَسْنَدُوا أَمْرَهُمْ إلَى امْرَأَةٍ» .

قُلْنَا: إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْأَمْرِ الْعَامِّ الَّذِي هُوَ الْخِلَافَةُ.

بُرْهَانُ ذَلِكَ -: قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «الْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى مَالِ زَوْجِهَا وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا» .

وَقَدْ أَجَازَ الْمَالِكِيُّونَ أَنْ تَكُونَ وَصِيَّةً وَوَكِيلَةً وَلَمْ يَأْتِ نَصٌّ مِنْ مَنْعِهَا أَنْ تَلِيَ بَعْضَ الْأُمُورِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

[مَسْأَلَة تولي الْعَبْد الْقَضَاء]

١٨٠٥ - مَسْأَلَةٌ: وَجَائِزٌ أَنْ يَلِيَ الْعَبْدُ الْقَضَاءَ؛ لِأَنَّهُ مُخَاطَبٌ بِالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ.

وَبِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ} [النساء: ٥٨] .

وَهَذَا مُتَوَجِّهٌ بِعُمُومِهِ إلَى الرَّجُلِ، وَالْمَرْأَةِ، وَالْحُرِّ، وَالْعَبْدِ، وَالدِّينُ كُلُّهُ وَاحِدٌ، إلَّا حَيْثُ جَاءَ النَّصُّ بِالْفَرْقِ بَيْنَ الْمَرْأَةِ، وَالرَّجُلِ، وَبَيْنَ الْحُرِّ، وَالْعَبْدِ فَيُسْتَثْنَى حِينَئِذٍ مِنْ عُمُومِ إجْمَالِ الدِّينِ.

وَقَالَ مَالِكٌ، وَأَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَجُوزُ تَوْلِيَةُ الْعَبْدِ الْقَضَاءَ، وَمَا نَعْلَمُ لِأَهْلِ هَذَا الْقَوْلِ حُجَّةً أَصْلًا - وَقَدْ صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ نا أَبُو عِمْرَانَ الْجَوْنِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الصَّامِتِ عَنْ «أَبِي ذَرٍّ أَنَّهُ انْتَهَى إلَى الرَّبَذَةِ - وَقَدْ أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ - فَإِذَا عَبْدٌ يَؤُمُّهُمْ، فَقِيلَ لَهُ: هَذَا أَبُو ذَرٍّ، فَذَهَبَ يَتَأَخَّرُ، فَقَالَ أَبُو ذَرٍّ: أَوْصَانِي خَلِيلِي - يَعْنِي رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ أَسْمَعَ وَأُطِيعَ وَإِنْ كَانَ عَبْدًا مُجَدَّعَ الْأَطْرَافِ» .

فَهَذَا نَصٌّ جَلِيٌّ عَلَى وِلَايَةِ الْعَبْدِ، وَهُوَ فِعْلُ عُثْمَانَ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ لَا يُنْكِرُ ذَلِكَ مِنْهُمْ أَحَدٌ.

وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ الْعَلَاءِ عَنْ سُوَيْد بْنِ غَفَلَةَ قَالَ: قَالَ لِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: أَطِعْ الْإِمَامَ وَإِنْ كَانَ عَبْدًا مُجَدَّعًا.

فَهَذَا عُمَرُ لَا يُعْرَفُ لَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ مُخَالِفٌ.

<<  <  ج: ص:  >  >>