للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا خَطَأٌ؛ لِأَنَّهُ أَكْلُ مَالٍ بِالْبَاطِلِ، وَقَاسَ أَبُو ثَوْرٍ ذَلِكَ عَلَى الْبَيْعِ وَلَقَدْ يَلْزَمُ مَنْ رَأَى الْإِجَارَةَ كَالْبَيْعِ أَنْ يَقُولَ بِهَذَا.

وَلَا فَرْقَ بَيْنَ إبْقَاءِ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، الْإِجَارَةَ بِمَوْتِ الْمُؤَاجِرِ، وَالْمُسْتَأْجِرِ، وَبَيْنَ إبْقَاءِ أَبِي ثَوْرٍ إيَّاهَا بِهَلَاكِ الشَّيْءِ الْمُسْتَأْجَرِ حَتَّى قَالَ مَالِكٌ: مَنْ اُسْتُؤْجِرَتْ دَابَّتُهُ إلَى بَلَدٍ بِعَيْنِهِ فَمَاتَ الْمُسْتَأْجِرُ بِالْفَلَاةِ: أَنَّ الْإِجَارَةَ بَاقِيَةٌ فِي مَالِهِ، وَأَنَّ مِنْ الْوَاجِبِ أَنْ يُؤْتَى الْمُؤَاجِرُ ثَمَنَ نَقْلِهِ، كَنَقْلِ الْمَيِّتِ يَنْقُلُهُ إلَى ذَلِكَ الْبَلَدِ، وَهَذَا عَجَبٌ مَا مِثْلُهُ عَجَبٌ لَا سِيَّمَا مَعَ إبْطَالِهِ بَعْضَ الْإِجَارَةِ بِجَائِحَةٍ تَنْزِلُ كَاسْتِعْذَارٍ، أَوْ قَحْطٍ، فَاحْتَاطَ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ وَلَمْ يُحْتَطْ فِي الْآخَرِ وَلَا تَبْطُلُ إجَارَةٌ بِغَيْرِ مَا ذَكَرْنَا - وَقَدْ رُوِيَ عَنْ شُرَيْحٍ وَالشَّعْبِيِّ. وَصَحَّ عَنْهُمَا أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ وَالْمُؤَاجِرِ يَنْقُضُ الْإِجَارَةَ إذَا شَاءَ قَبْلَ تَمَامِ الْمُدَّةِ - وَإِنْ كَرِهَ الْآخَرُ - وَكَانَا يَقْضِيَانِ بِذَلِكَ

- وَلَا نَقُولُ بِهَذَا؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ عَقَدَاهُ فِي مَالٍ يَمْلِكُهُ الْمُؤَاجِرُ فَهُوَ مَأْمُورٌ بِإِنْفَاذِهِ، وَكَذَلِكَ مُعَاقِدُهُ مَا دَامَا حَيَّيْنِ، وَمَا دَامَ ذَلِكَ الشَّيْءُ فِي مِلْكِ مَنْ أَجَّرَهُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

[مَسْأَلَةٌ اسْتِئْجَارُ الْعَبِيدِ وَالدُّورِ وَالدَّوَابِّ]

١٢٩٤ - مَسْأَلَةٌ: وَجَائِزٌ اسْتِئْجَارُ الْعَبِيدِ وَالدُّورِ وَالدَّوَابِّ، وَغَيْرِ ذَلِكَ، إلَى مُدَّةٍ قَصِيرَةٍ أَوْ طَوِيلَةٍ، إذَا كَانَتْ مِمَّا يُمْكِنُ بَقَاءُ الْمُؤَاجَرَةِ وَالْمُسْتَأْجِرِ وَالشَّيْءِ الْمُسْتَأْجَرِ إلَيْهَا، فَإِنْ كَانَ لَا يُمْكِنُ أَلْبَتَّةَ بَقَاءُ أَحَدِهِمْ إلَيْهَا، لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ الْعَقْدُ، وَكَانَ مَفْسُوخًا أَبَدًا.

بُرْهَانُ ذَلِكَ -: أَنَّ بَيَانَ الْمُدَّةِ وَاجِبٌ فِيمَا اُسْتُؤْجِرَ لَا لِعَمَلٍ مُعَيَّنٍ، فَإِذْ هُوَ كَذَلِكَ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ مُدَّةٍ مَا وَبَيْنَ مَا أَقَلَّ مِنْهَا أَوْ أَكْثَرَ مِنْهَا؛ وَالْمُفَرِّقُ بَيْنَ ذَلِكَ مُخْطِئٌ بِلَا شَكٍّ، لِأَنَّهُ فَرَّقَ بِلَا قُرْآنٍ، وَلَا سُنَّةٍ، وَلَا رِوَايَةٍ سَقِيمَةٍ، وَلَا قَوْلِ صَاحِبٍ أَصْلًا، وَلَا قَوْلِ تَابِعٍ نَعْلَمُهُ، وَلَا قِيَاسٍ، وَلَا رَأْيٍ لَهُ وَجْهٌ يُعْقَلُ، وَالْمَخَاوِفُ لَا تُؤْمَنُ فِي قَصِيرِ الْمُدَدِ كَمَا لَا تُؤْمَنُ فِي طَوِيلِهَا.

وَأَمَّا إنْ عُقِدَتْ الْإِجَارَةُ إلَى مُدَّةٍ يُوقِنُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ أَنْ يُخْتَرَمَ أَحَدُهُمَا دُونَهَا، أَوْ لَا بُدَّ مِنْ ذَهَابِ الشَّيْءِ الْمُؤَاجَرِ دُونَهَا، فَهُوَ شَرْطٌ مُتَيَقَّنُ الْفَسَادِ بِلَا شَكٍّ، لِأَنَّهُ إمَّا عَقْدٌ مِنْهُمَا عَلَى غَيْرِهِمَا، وَهَذَا لَا يَجُوزُ - وَإِمَّا عَقْدٌ فِي مَعْدُومٍ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>