قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ فَأَحْسَنَ، إذْ سَكَتَ عَنْ شَيْءٍ لَمْ يَتَبَيَّنْ لَهُ وَجْهُهُ.
وَأَمَّا ابْنُ أَبِي عِمْرَانَ فَقَالَ قَوْلًا فَاسِدًا، لِأَنَّهُ لَا يَفْهَمُ أَحَدٌ مِنْ قَوْلِ قَائِلٍ " عَلَى الْمُقْتَتِلِينَ أَنْ يُحْتَجَزُوا الْأَوَّلَ فَالْأَوَّلَ - وَإِنْ كَانَتْ امْرَأَةً " أَنَّهُ يَجُوزُ عَفْوُ النِّسَاءِ مِنْ الدَّمِ أَوْ لَا يَجُوزُ، وَهَذَا سَمِجٌ جِدًّا، وَمَا يَعْجِزُ أَحَدٌ مِنْ أَنْ يَدَّعِيَ فِيمَا شَاءَ مَا شَاءَ إذَا لَمْ يَحْجِزْهُ وَرَعٌ أَوْ حَيَاءٌ
وَأَمَّا الْمُزَنِيّ فَإِنَّهُ قَالَ الْكَلَامَ الصَّحِيحَ الَّذِي لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ غَيْرَهُ، وَهُوَ مُقْتَضَى لَفْظِ الْخَبَرِ وَمَفْهُومُهُ الَّذِي لَا يُفْهَمُ مِنْهُ غَيْرُهُ، وَهُوَ أَنَّهُ وَاجِبٌ عَلَى الْمُقْتَتِلِينَ أَنْ يَنْحَجِزَ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ فَلَا يَقْتَتِلُونَ، وَأَنْ يَبْدَأَ بِالِانْحِجَازِ الْأَوَّلُ فَالْأَوَّلُ، لِأَنَّ الْأَوَّلِينَ مِنْ الْمُقْتَتِلِينَ هُمْ الْمُتَصَادِمُونَ قَبْلَ الَّذِينَ مَنْ خَلْفَهُمْ - فَغَرَضُ الِانْحِجَازِ وَاقِعٌ عَلَى الْأَوَّلِ فَالْأَوَّلِ - مِنْ الْمُقْتَتِلِينَ - وَلَوْ أَنَّهُ امْرَأَةٌ - لِأَنَّ الْقِتَالَ فِيمَا بَيْنَنَا مُحَرَّمٌ. هَذَا عَلَى أَنَّ الْخَبَرَ لَا يَصِحُّ، وَحِصْنٌ: مَجْهُولٌ.
[مَسْأَلَةٌ مَنْ لَهُ الْعَفْوُ عَنْ الدَّمِ وَمَنْ لَا عَفْوَ لَهُ]
٢٠٨٥ - مَسْأَلَةٌ: فِيمَنْ لَهُ الْعَفْوُ عَنْ الدَّمِ وَمَنْ لَا عَفْوَ لَهُ؟ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: الْعَفْوُ جَائِزٌ لِكُلِّ أَحَدٍ مِمَّنْ يَرِثُ، وَلِلزَّوْجَةِ، وَالزَّوْجِ، وَغَيْرِهِمَا، فَإِنْ عَفَا أَحَدٌ مِمَّنْ ذَكَرْنَا فَقَدْ حُرِّمَ الْقِصَاصُ وَوَجَبَتْ الدِّيَةُ لِمَنْ لَمْ يَعْفُ.
وَقَالَ آخَرُونَ: الْعَفْوُ لِلرِّجَالِ خَاصَّةً دُونَ النِّسَاءِ.
وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: مَنْ أَرَادَ الْقِصَاصَ فَذَلِكَ لَهُ، وَلَا يُلْتَفَتُ إلَى مَنْ أَرَادَ الدِّيَةَ أَوْ الْعَفْوَ، مَا لَمْ يَتَّفِقُوا عَلَى ذَلِكَ.
فَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ - كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا هُشَيْمٌ نا الْأَعْمَشُ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ أَنَّ رَجُلًا قَتَلَ امْرَأَتَهُ وَلَهَا إخْوَةٌ فَعَفَا أَحَدُهُمْ فَأَجَازَ ذَلِكَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَرَفَعَ عَنْ الْقَاتِلِ نَصِيبَ الَّذِي عَفَا وَغَرَّمَهُ نَصِيبَ الَّذِي لَمْ يَعْفُ.
قَالَ سَعِيدٌ: ونا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، وَأَبُو عَوَانَةَ، كِلَاهُمَا عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ بِمِثْلِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute