للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ: لَا شَيْءَ فِي ذَلِكَ إلَّا أَنْ يُوصِيَ بِالْإِطْعَامِ فَيُطْعَمَ عَنْهُ وَمَا نَعْلَمُ أَحَدًا قَبْلَهُمْ قَالَ بِهَذَا؛ إلَّا رِوَايَةً عَنْ الْحَسَنِ قَدْ صَحَّ عَنْهُ خِلَافُهَا.

وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: لَا يُصَامُ عَنْهُ كَمَا لَا يُصَلَّى عَنْهُ؛ فَبَاطِلٌ وَقِيَاسٌ لِلْخَطَأِ عَلَى الْخَطَأِ بَلْ يُصَلَّى عَنْهُ النَّذْرُ، وَصَلَاةُ فَرْضٍ إنْ نَسِيَهَا أَوْ نَامَ عَنْهَا وَلَمْ يُصَلِّهَا حَتَّى مَاتَ؛ فَهَذَا دَخَلَ تَحْتَ، قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " فَدَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ أَنْ يُقْضَى ". وَالْعَجَبُ أَنَّهُمْ كُلَّهُمْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنْ تُصَلَّى الرَّكْعَتَانِ إثْرَ الطَّوَافِ عَنْ الْمَيِّتِ الَّذِي يُحَجُّ عَنْهُ؛ وَهَذَا تَنَاقُضٌ مِنْهُمْ لَا خَفَاءَ بِهِ. وَهَذَا قَوْلُ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ فِي قَضَاءِ الصَّلَاةِ عَنْ الْمَيِّتِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إنْ صَحَّ الْخَبَرُ قُلْنَا بِهِ وَإِلَّا فَيُطْعَمُ عَنْهُ مُدٌّ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ. وَإِنَّمَا قُلْنَا: إنَّ الِاسْتِئْجَارَ لِذَلِكَ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ مُقَدَّمٌ عَلَى دُيُونِ النَّاسِ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فَدَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ أَنْ يُقْضَى» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: مِنْ الْكَبَائِرِ أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ: بَلْ دَيْنُ النَّاسِ أَحَقُّ أَنْ يُقْضَى مِنْ دَيْنِ اللَّهِ تَعَالَى عَزَّ وَجَلَّ وَقَدْ سَمِعَ هَذَا الْقَوْلَ.

[مَسْأَلَةٌ صَامَ بَعْضُ أَوْلِيَائِهِ عَنْهُ]

٧٧٦ - مَسْأَلَةٌ: فَإِنْ صَامَهُ بَعْضُ أَوْلِيَائِهِ أَجْزَأَ؛ لِعُمُومِ الْخَبَرِ فِي ذَلِكَ، وَإِنْ كَانُوا جَمَاعَةً فَاقْتَسَمُوهُ جَازَ كَذَلِكَ أَيْضًا إلَّا أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ أَنْ يَصُومُوا كُلُّهُمْ يَوْمًا وَاحِدًا لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: ١٨٤] . فَلَا بُدَّ مِنْ أَيَّامٍ مُتَغَايِرَةٍ، فَلَوْ لَمْ يَصِحَّ حَتَّى مَاتَ فَلَا شَيْءَ عَلَى أَوْلِيَائِهِ وَلَا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْأَثَرَ إنَّمَا جَاءَ فِيمَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صَوْمٌ، وَهَذَا مَاتَ وَلَيْسَ عَلَيْهِ صَوْمٌ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: ٢٨٦] فَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِي وُسْعِهِ الصَّوْمُ فَلَمْ يُكَلَّفْ، وَإِذَا لَمْ يُكَلَّفْهُ فَقَدْ مَاتَ وَلَا صَوْمَ عَلَيْهِ. وَالْأَوْلِيَاءُ هُمْ ذَوُو الْمَحَارِمِ بِلَا شَكٍّ وَلَوْ صَامَهُ الْأَبْعَدُ مِنْ بَنِي عَمِّهِ أَجْزَأَ عَنْهُ، لِأَنَّهُ وَلِيُّهُ، فَإِنْ أَبَوْا مِنْ الصَّوْمِ فَهُمْ عُصَاةٌ لِلَّهِ تَعَالَى وَلَا شَيْءَ عَلَى الْمَيِّتِ مِنْ ذَلِكَ الصَّوْمِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ نَقَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ إلَيْهِمْ بِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صَوْمٌ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ» . وَبِأَمْرِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الْوَلِيَّ أَنْ يَصُومَ عَنْهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>